القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: شعب العناصر الأربعة «قصة»

 
الأحد 26 اذار 2023


 إبراهيم محمود

لطالما تنفست الأم العظيمة الصعداءَ، وهي تطل من على صخرتها، ناظرة ملياً إلى شعبها الذي يتوزع حول قاعدة صخرتها، وتشعر بالراحة أحياناً، وبالقلق أحياناً أخرى، مذ قادتهم إلى هذا المكان- المرج الذي لم تشهد مثله خضرة وغنى موارد وموقعاً، وهي لا تنسى الأهوال التي عاشتها في طريقها، والتحديات التي تواجهها في هذا المرج الفسيح، ولكم قدَّمت ضحايا حفاظاً على هذا المكان الذي تعتبره وطنها الأبدي، وتنتظر بلهفة زوجها الغائب منذ زمان طويل، لتتمكن إلى جانبه من الانطلاق الدائري ووضع اليد على كامل المكان ما أمكنها ذلك، ثم الاستقرار دون خوف من أي متربص بها، كما اعتادت أن تقول ذلك لشعبها عبر ممثّلها .


في الأسفل كانت الحركة النشطة تشهد على مدى يقظة أبناء شعب العناصر الأربعة ودأبهم، وهم عبارة عن مخلوقات غاية في الصغر، سوى أن الأم العظيمة، وعبر توجيهاتها علّمتهم أنها في غاية القوة، فالعبْرة في الفعل، وكل المخلوقات المحيطة بها لا تخيف، إلا من يحسب لها حساباً.
تعليماتها كانت تنتقل مباشرة إلى أهم عنصر مقرَّب منها، ومحل ثقة، كان يُسمى بـ" الخادم " هو الذي يقع على عاتقه تنفيذ المهام كافة، والتعليمات بحذافيرها.
وكثيراً ما كان خادم الأم العظيمة يتعرض لإحراجات، رغم أنه من بين التعليمات الصارمة، عدم طرح الأسئلة التي تثير المخاوف وتنعكس سلباً على الجميع.
كان الخادم هذا لا يخلو من ذكاء، ولكن صلاحيات الأم العظيمة المعطاة له زادت من قوته وقدرته على إصدار التعليمات ومتابعة شئون شعبه الموكل بمراقبته، بمزيد من الراحة النفسية.
من ذلك، ما يخص تسمية العناصر الأربعة، وكيف تمت، فكان جوابه:
إنها حكمة الأم العظيمة، فهي التي أطلقتها، لتجمع بين العناصر الأربعة في جسم كل منا: الماء والنار والتراب والهواء. فالماء لا يمكنه أن يغرق أياً منا، لأنه موجود فينا، والنار لا يمكنها أن تحرق أياً منا، فهي جزء من تكويننا، وهكذا الحال مع الهواء، فهو وإن تمكن من تطيير أحدنا، لكنه يضع أرضاً فيما بعد، والتراب لا يغمر أياً مناً، لأنه جزء من جبلّتنا كذلك .
وقد ووجه بسؤال وهو: ولكننا تعرضنا سابقاً للغرق والحرق والتطيير والغمر تحت التراب كثيراً؟
فوجد الخادم في ذلك فرصته ليثبت التالي: علينا ألا نضخّم الأمور، يحصل هذا عند جميع من نسمع بهم في الجوار في الآفات التي تعرضوا لها، أما نحن، فلأن...سأقولها صراحة، فلأن إيماننا ضعيف، من هو إيمانه ضعيف، سوف ينتهي أمره سريعاً، ومن يؤمن بعناصره الأربعة، سوف يعيش سعيداً، وكل ذلك بفضل أمنا الأم العظيمة . 
لا يعني ذلك أن الخادم سلِم من الأسئلة المحرجة، إنما كان يجد مخرجاً لكل سؤال لا يكون جوابه سهلاً، من ذلك ما يخص تاريخ شعب العناصر الأربعة ومن أين جاء، وكيف حل هنا،فقال: إنه زمان طويل، لا أحد يستطيع الحديث عنه، إلا أمنا الأم العظيمة، وهو ما يدل على عراقتنا في الوجود أكثر من كل هؤلاء الجيران الذين يحيطون بنا، وقد مررنا بأدوار كثيرة، وتعبنا كثيراً، وحاربنا الكثيرين ممن اعترضوا طريقنا، وتمكنا من النصر الساحق على الجميع، حتى استقر بنا المقام هنا، فلا تظنون أننا بلغنا هذا المكان الرائع دون تقديم تضحيات، ولهذا عليكم أن تقدّروا ما صنعه أسلافنا العظام من أجلنا، وما تفعله الأم العظيمة من أجلنا، حتى اليوم المنتظر...
فسارع أحدهم إلى طرح السؤال التالي:
وأي يوم يكون هذا؟
رد الخادم بثقة واضحة:
إنه اليوم الذي نوسّع فيه حدودنا، ونتخلص من هؤلاء الجيران المزعجين والذين لا يدخرون جهداً إلى طردنا من المكان، وسلبنا ما كسبناه على مدى مئات السنين.
في تلك اللحظة حصل ما يشبه الهزة مرفقة بظل سميك غطى الجميع، ليلتزموا الصمت وفي خوف هذه المرة:
ليطمئنهم الخادم بقوله:
إنها هزة إلى جانب الهزات الكثيرة التي نتعرض لها، ولا بد أنها تختبرنا، وهذه السحابة السوداء لا بد أنها مشتركة مع الهزة، وما علينا إلا أن تتماسكوا، وألا يدخل الخوف قلوبكم .
لم تكن الهزة تلك إلا خبط قدم الحمار المتواجد في المكان، والظل كان ظله.
طبعاً، ما كان في مقدور شعب العناصر الأربعة السكينة، إلا بعد المزيد من التدريبات ومن ثم التقيد بتلك التعليمات التي لا يكف الخادم عن تكرارها ومتابعتها، أن يشدهم إلى المكان،وفي كل مرة كان يضيف جديداً، ويرفقه بما هو شديد الصلة بالمعتبَرة هوية شعب العناصر الأربعة ، ومن ذلك قوله لهم في إحدى المرات:
هذا هو مكاننا، وهنا سنبقى وسنوسّع حدودنا، وانسوا الجهة التي جئتم منها، وتسميتكم بشعب العناصر الأربعة لم تأت سهواً، إنما إلهام من خالقنا الذي ألهم أمنا العظيمة، وعليكم أن تتهيأوا لذلك اليوم العظيم الذي يمكّننا من مد نفوذنا إلى أبعد مدى.
ولكي يلزمهم الخادم بتلك التعليمات، ويضعهم في الصورة المطلوبة، تلا عليهم جملة قوانين موقَّع عليها من الأم العظيمة :
-كل من يتعدى الحدود المرسومة من قبل الأم العظيمة، سوف يُقتَل.
-كل من يجتمع مع غيره، سيتعرض الاثنان للضرب حتى الموت.
-لا يجوز التجمع، إلا بأمر مباشر من أمنا العظيمة.
-يمنع الاقتراب من جبل أمنا العظيمة، أو تسلق جبلها، إن كل من يحاول ذلك، سيجري رميه من أعلى الجبل ( طبعاً ، لم يكن الجبل سوى الصخرة الصغيرة التي تحمل الأم العظيمة ومقرها.).
-إن الوشم الذي يحمله كل منكم، هو الذي يشد في أزركم، ويمنحكم القوة والمنعة في مواجهة أكثر الشدائد خطراً: الحية والعقرب، الحية التي يمكنها أن تدخل أي جحر، وهي تنساب في صمت، ولها هيبتها، والعقرب اليقظ والحذر الذي يمكنه لسعة أي كان في غفلة، تأكيداً على رهبته بالمقابل. إن من يحمل شعار الحية والعقرب لا يمكنه أن يندحر أمام أي خطر كان .
وليوضح الموقف أكثر، استرسل في الكلام قليلاً، لطمأنة مخاطبيه:
أما عن غياب الأب العظيم، فإنه تحمَّل كل هذه المشاق، وهو غائب إلى الآن، من أجلنا جميعاً، وعلينا أن نقدّره أفضل تقدير، فهو لا بد أن يرسم خرائط تساعدنا للانطلاق وطرد كل الذين آذونا على مر السنين، ويجب ألا تخيفكم أحجامكم، إن عضة واحدة من أحدهم سوف تثير فزعهم .
حيوانات كثيرة كانت تجوب المكان، دون أن تأبه بها، لأنها كانت متناهية الصغر، وكان التعليق المتكرر من الخادم، هو التالي: إنها تذرع المكان جيئة وذهاباً، لأنها قلقة متوترة، وتحسب لنا حساباً، وحتى هذا الذي لا يكف عن إزعاجنا بصوته، والقريب منا جداً، هو أكثرها خوفاً، وكان يقصد بذلك الحمار.
لم يكن الحمار شاعراً بوجودها، أو حتى يبالي بها كما هو اعتقادها في نفسها، سوى أن ظله كان يغمرها، وينهق بين الحين والآخر، فيبعث رعدة الخوف في نفوسها، وفي بعض الحالات كان يراها، إنما من فرط صغرها، كان يتجاهلها، وهو في قرارة نفسه كان يستغرب من وجود مخلوقات بهذا الحجم، وتتحرك في المكان، ويتهكم عليها، بسبب ذلك النهيق الخاص المعبّر عن حالة كهذه، نهيق هو نوع من الاستهزاء بتلك الحركات التي كان يبصرها بصعوبة فيها .
الأم العظيمة كانت تحلم بعودة زوجها، وليس من ليلة تمر، إلا ويزداد قلقها، وهي توزّع أنظارها في الجهات كافة، وفي الليالي المقمرة، خاصة، وهي تشمل شعبها بتلك النظرة الفاحصة، وتقول متسائلة: متى يأتي اليوم الموعود، لأنتقل إلى صخرة أكبر، وتمتد حدودي إلى ما وراء الأفق ؟!
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات