القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

باكورة ابراهيم الجبين منعت في سورية لا خارجها ... اليهودي بطلاً روائياً بملامح ايجابية

 
السبت 06 تشرين الاول 2007


  ابراهيم حاج عبدي     

منذ البداية، أراد الكاتب السوري ابراهيم الجبين أن يخوض في قضايا شائكة يصعب الاقتراب منها عبر باكورته الروائية «يوميات يهودي من دمشق» الصادرة حديثاً عن دار «خطوات» (دمشق ـ 2007)، وقد تكون هذه السمة التي ميزت الرواية هي التي أربكت مديرية الرقابة في وزارة الإعلام السورية التي وقعت في الحيرة إزاء مخطوط ينطوي على مضامين غريبة، فخرجت، بدورها، بنتيجة نادرة، وغريبة تقول: «السماح بالطباعة والتصدير فقط خارج القطر»، الأمر الذي أدى إلى منع الرواية في معرض الكتاب الدمشقي الأخير. الكاتب، بدوره، لم يشأ أن يقلل من مخاوف الرقيب بل كتب في مستهل الرواية:


«هذه الرواية تستند إلى أحداث وشخصيات حقيقية... بعض الأسماء تم تغييرها لضرورات تتعلق بسلامة أصحابها»، وذلك على عكس ما يرد في الاستهلالات الروائية التي تنفي، عادة، أي صلة للرواية بأحداث وشخصيات حقيقية، وذلك تجنباً لأي لبس، ولخشية الروائي من دعاوى قضائية قد تتهمه بالقدح والتشهير... وما إلى ذلك.
القضية الشائكة التي صنعت الإشكالية حول هذه الرواية تتمثل في أن الجبين يتخذ من يهودي دمشقي بطلاً لروايته. ومع أن الملفات تزدحم في صفحات الرواية، وتتداخل الأصوات والشخصيات والأحداث، غير أن الكاتب يمنح صوت الشخصية اليهودية المساحة الأكبر، فضلاً عن أن العنوان «يوميات يهودي من دمشق» يشير إلى أن الرواية جاءت، بالدرجة الأولى، لتوثيق يوميات يسردها بطل الرواية على مسامع الراوي، فيشرع الأخير في التدوين الذي يقوده إلى اكتشاف خفايا أو أسرار.
مدينة دمشق التي تخبئ بين جنباتها تاريخاً طويلاً حافلاً بالألغاز والأسرار والأساطير التي تسير، جنباً إلى جنب، مع تفاصيل الحياة اليومية العادية والمألوفة. مدينة دمشق تنهض على ركام هائل من التواريخ والأحداث والوقائع، فلماذا نصاب بالدهشة حين نكتشف، أن أول قصر رئاسي في سورية في الثلاثينات كان بيتاً لتيمورلنك حين دخل دمشق غازياً، وأصبح في ما بعد منزل الكاتب السلطاني العثماني، ثم مدرسة أميركية، ثم مقراً للمحفل الماسوني، كما تقول الرواية؟ لا يسعى الجبين إلى رسم صورة نمطية لشخصية البطل اليهودي، فقد درجت العادة، وخصوصا في الأدب العربي، على نعت هذه الشخصية بصفات ثابتة من قبيل الجشع والأنانية والنزعة إلى الاستحواذ... بل أن مسرحية «تاجر البندقية» لشكسبير، على سبيل المثال، أدرجت ضمن منهاج التعليم الرسمي في سورية لمجرد أن المسرحية تظهر شخصية اليهودي «شايلوك» كمراب جشع وفظ.
هنا، يحاول الجبين كسر الإيقاع الرتيب ليقدم شخصية يهودية من لحم ودم، هي شخصية إخاد الذي ارتبط بالمكان الذي ولد فيه، أي دمشق، وراح يتساءل على محمل بريء «يقولون: ارض مقدسة هناك، ولكن هل هذه الأرض غير مقدسة؟، يعيش إخاد بصورة طبيعية في دمشق وعلى نحو يصعب معه التمييز بينه وبين أية شخصية دمشقية أخرى، وهو ما يذكرنا بالقصيدة الجميلة لمحمود درويش «جندي يحلم بالزنابق البيضاء» التي تضمر حواراً إنسانياً شفافاً يجري بين الشاعر وجندي إسرائيلي يوضح له رؤيته البسيطة، البعيدة من أية نوازع شريرة: «...الوطن هو أن احتسي قهوة أمي، أن أعود سالما مع المساء».
انطلاقاً من هذا الوعي الإنساني ـ الوجداني، يعلن الجبين، كذلك، عن ضرورة التسامح والتعايش بين الأديان، فبطله اليهودي يؤمن بنظرية تقول بوجود «ثقافة يهودية عربية مشتركة تضم في طياتها افضل الشعراء مثل الحاخام يهودا هاليفي الذي يعرف باسم أبو الحسن اللاوي، وهو شاعر يهودي عاش في الأندلس، والحاخام شالوم شبازي الذي يعد من كبار شعراء يهود اليمن، ناهيك عن أن «معظم الديانة اليهودية مكتوب بالآرامية والعربية وليس باللاتينية أو الألمانية، واليهودية نفسها عربية اكثر من كونها غربية». تعج الرواية بأمثلة من هذا القبيل، وصولاً إلى اليهودي المصري شحاتة هارون الذي ولد في القاهرة، وتقدم بطلب للتطوع في القتال دفاعاً عن بلده مصر في العام 1967، واعتقل بسبب معارضته اتفاق كامب ديفيد، وكانت فلسفته في الحياة تفيد بأن «لكل إنسان أكثر من هوية، وأنا إنسان مصري حين يُضطهد المصريون، أسود حين يُضطهد السود، يهودي حين يُضطهد اليهود، فلسطيني حين يُضطهد الفلسطينيون».
هذه المقاربة الهادئة، البعيدة من الانفعال والنظرة المسبقة، هي التي تنجح في استمالة مشاعر القارئ نحو يهودي يعيش مع شقيقتيه «راحيل، وزينب» العانسين، في منزل بالحي اليهودي في دمشق القديمة، وإذ يتعرف على الراوي يمضي في البوح والمكاشفة، وفك الأسرار والطلاسم التي تقودنا إلى قبو منزله القديم الذي يعود إلى خمسة آلاف عام حيث المخطوطات والكتب والأدوات الغريبة، والوثائق. لكن تعلقه بمدينته لم يشفع له بالبقاء فيها، إذ أرغم على الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهناك تجمعه الصدفة مرة أخرى مع الراوي العائد إلى دمشق حاملاً سلاماً من صديقه اليهودي لمدينته التي تركها قسراً.
الخط الرئيس الآخر في الرواية يخص الداعية الإسلامي أبو المحجن الذي ينشط في بلاد الشام، ويحاول عبر خطبه «التي تبكي الحجر» حض الشبان للذهاب إلى العراق ومقاتلة الأميركيين، وكذلك إلى إندونيسيا وأفغانستان والشيشان، وهو يحظى بمكانة دينية رفيعة لدى مريديه، وقد أفتى بوجوب «الجهاد منذ سن البلوغ، قبل الزواج، وقبل بر الوالدين». ويسهب الراوي في الحديث عن صفات هذا الرجل وطباعه وأفكاره وتحليلاته من دون أن يتورط كثيراً في الجانب السياسي، تجنباً لخلط متوقع، ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تتهم سورية بتسهيل دخول المقاتلين إلى العراق!
بين هذين الخطين الرئيسين تبرز قضايا وملفات أخرى، إذ تفرد الرواية صفحات للحديث عن موسى بن ميمون، اليهودي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي حيث ولد في قرطبة وتوفي في القاهرة، واشتهر بكونه أهم شخصية يهودية، وله كتاب شهير اسمه «دلالة الحائرين»، وعرف كفيلسوف إسلامي بالمعنى الثقافي والحضاري. وكذلك نتعرف على عائلة محمد علي العابد، الرئيس السوري الأول، الذي تسلم الرئاسة بين العامين 1932 و 1936. ويغرق الكاتب أحياناً في شرح بعض الأساطير والخرافات التي تكتنف الدين اليهودي كالحديث، مثلاً، عن الاتجاه الصوفي اللورياني «القبالاه». وبدا بعض المسائل مقحماً ضمن النسيج الروائي كالحديث عن بيروت ومثقفيها مثل يوسف بزي وسامر أبو هواش وعباس بيضون، وبسام حجار... وحديث عن يوسف شاهين وفيلمه المصير، وحديث عن الشاعر العراقي سعدي يوسف. ولا يغفل الكاتب عن تضمين الرواية بعض الشاعرية المستوحاة من غراميات الراوي الرومنطيقية مع ليندا ونور. هنا يتخفف النص من الإرث الديني والتاريخي المعقد لينحو في اتجاه صياغات مؤثرة تقترب من لغة القصيدة التي كتبها الجبين قبل أن يخوض مضمار الرواية.
يحاول الجبين أن يعيد ترتيب أوراق التاريخ، فهو يصغي بحياد إلى الأصوات المتداخلة المختلفة، ويسعى إلى ترميم الشروخ التي أصابت ذاكرة مدينة دمشق، فيجد نفسه أمام كم هائل من القضايا والألغاز التي تصلح كل واحدة منها لتكون موضوعاً لرواية مستقلة. هذا الازدحام في الموضوعات أربك مسار السرد، فاضطر الكاتب إلى الاستعانة بما يمكن تسميته تقنية المونتاج الروائي. والمونتاج تقنية سينمائية استعارها الكاتب كي يتمكن من بناء عمارته الروائية التي بدت كمتاهة تحض على التدوين وطرح الأسئلة. ولكن بقي التدوين ناقصاً، فاختتم الكاتب الرواية بقول ذي دلالة: «لم تنته اليوميات، لكنّ تدوينها النهائي يكتمل الآن في مكان آخر». مع ذلك في وسع القارئ أن يتبين رسالة الرواية التي تقول بأن هذه الأرض شهدت أقواماً واثنيات وأدياناً ومذاهب وثقافات وحضارات كثيرة، وليس لأحد الحق، والحال كذلك، في احتكار التاريخ أو احتكار الحقيقة... فـ «التجاور هو أساس الحل، وهو الشكل الأعلى والأكثر تفوقاً للحياة»، وما تلك الهويات التي نتشبث بها سوى «هويات قاتلة»، بتعبير أمين معلوف.
-------
الحياة  - 03/10/07//

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات