ثمة مواقف شجاعة كثيرة عن انتفاضة آذار لم يتم تناولها، كما ينبغي وظلت طي النسيان، وإن كنت، ومع مرور الزَّمن بت أسمع وأقرأ الكثير من المزاعم الرخيصة وإدعاء البطولات المجانية عن الانتفاضة، من دون أن تحدث إلا في أخيلة مدعيها، لاسيما على صعيد الاستعراض من قبل أشخاص لم يؤدوا ما كان مطلوباً منهم، وأخص هنا لحظة ما بعد بدء العنف والإرهاب من قبل النظام  والتي تمت على نحو أشد منذ تاريخ ما بعد ظهيرة الثالث عشر من آذار، الحاسم، المعياري، عندما تم إطلاق النار على مشيعي جنازات شهداء الانتفاضة، والتزم جميعنا بيوتهم، وبات كل من يخرج إلى بيت جاره معرَّضاً للاعتقال. هنا ساعة صفر الانتفاضة الإعلامية، في توقيتها الفاعل. هنا انتفاضة الموقف، وما زلت أتذكر أن صديقي الباحث حواس محمود أراد إيصال معلومة اعتقال شقيقه إلي، وسط مراقبة منزلنا، فما كان منه إلا أن اصطحب معه زوجته أم رامان ومعهما طفلهما و"إبرة ديكلون" ليسوغ بها سبب مجيئه إلى بيتنا، وسط جنون وهستيريا الإرهاب،  في حالة التعرض له من قبل الدوريات المنتشرة رغم إنه لم يكن بين بيتينا إلا حوالي 150 متراً، فحسب، وما إن وصلوا منزلنا حتى أعلمني باعتقال شقيقه القيادي فواز، لأنشر الخبر، عبرالقنوات المتاحة، ورغم ذلك فإن شبابنا البواسل أدوا واجبهم - أعني القلة القليلة جداً  الذين كانوا يغامرون وسط تلك المراقبة والملاحقة الشديدتين - بعد حملة الاعتقالات الواسعة وحالة نشر الرعب بل الإرهاب- ومن بين تلك المواقف أن هناك من أبلغ الصديق: رحمة الله ملا علي في ألمانيا، هاتفياً، كي يعلمني بدوره عبر الهاتف التركي بمحاصرة بيتنا، نتيجة المراقبة المفروضة على خطوط الهاتف، إذ أحسست آنذاك: