حريق شهرزاد و حرائق اخرى! حوار مع الفنان التشكيلي الكردي فؤاد كمو
التاريخ: الخميس 23 تشرين الثاني 2006
الموضوع: القسم الثقافي


أجرى الحوار: بسام مصطفى

عامودا مدينة تاريخية كردية جاء ذكرها في الحكايا التاريخية في زمن الحروب العثمانية،
 وفي الاغاني الفلكلورية الكردية وسيرة الآغوات فيها، كسيرة محمد سعيد آغا الدقوري ، الذي
احرق نفسه من أجل أن ينقذ اطفالها.
تقع عامودا على الحدود السورية التركية على الجانب السوري، ابنائها معروفون بالاهتمام بالسياسة والابداع منذ رشيد كرد الى يومنا هذا .كما انها مدينة عريقة ومعروفة بتاريخها النضالي، منذ الأستعمار الفرنسي.

في تلك المدينة بتاريخ 13/11 1960 شب حريق في صالة السينما الوحيدة، ذهب ضحيتها ما يقارب 283 طفل كردي و مثلهم من المصابين . حريق عامودا بقيت ذكرى قاتمة في ذاكرة الكرد وبقي السؤال مفتوحا الى الآن حول مؤامرة شوفينية احكيت ضد ابنائها في السر.
هنا حوار مع طفل نجى من الحريق وهو الفنان التشكيلي الكردي المعروف فؤاد كمو:       

هل تحدثنا عن ذلك الحريق، و انت طفل بعد ؟

ما زلت احمل في ثنايا اضلعي نارا اتقدت و احرقت العديد من اصدقائي ذات صيف.
يومها ذهبنا لرؤية فيلم، ولكنا تفاجئنا بالحريق كما تفاجىء اجدادنا من قبل. فالحرائق تناسبنا لاننا بعد الحريق نقوم بالتأنيب والحزن واشياء اخرى. كأننا نبحث عن حريق لنحرق به حرائق قديمة كانت مركونة في الذاكرة الميتة. كنا صغارا نحب اصدقائنا ونتمشى في شوارع عامودا الترابية
 كان يجمعنا الغبار... وحكايا الصبايا الشقيات, يجمعنا وطن بلا هوية... هوية مسحوها بقسوة غير مشروحة... مسحوها دونما اكتراث. فليأخذ الغرباء كل شيء وليتركوا لنا قرانا وشجيراتها الوحيدة، ليستفيىء بظلها ابائنا وامهاتنا، ليتحدثون عن مهاباد وهولير وآمد... وقامشلو المنكسرة المتكئة على جسد الموت، حزنا او فرحا، في انتظار الشفق الاخير!
لأن الكرد باقون كالجدار، صامتون يبحثون عن هوية ضائعة ليمسكوا بلحظة السكون الازلي.
تعالوا ننثر ثقافتنا... ثقافة الورد والعشق، و لنأسرهم عند لغة الكرد وحبهم الجبال.
وانت ايتها الارض المترامية، اعلمي ان هناك خلف التلال كرد يوزعون بقايا دفاترهم المليئة بالخرائط وحكايا الابطال والاساطير.
يحرقون كالعنقاء ثم يعودون من جديد!

لوحاتك عن مأساة حلبجة تدرس في الكتب المدرسية في المانيا منفاكم، فماذا تحدثنا عن تلك المأساة؟

عندما كنت في غربتي متكئا على وسادة نظيفة، كنت اعتقد ان مأساة حلبجة هي مجرد دعابة، أو احدى تصورات صحفي مبالغ...، لكني عندما اقتربت من جسدها شممت رائحة الغاز و الخردل، رائحة القتلى من الأطفال والشيوخ والنساء وهم متمددون في شارع طويل على مداخلها الجبلية...
سأتيك ، عبر اللون الذي يجسد رؤياك يا قرية الانسان.
انت المستلقية بوداعة على سفح جبل حنون منسي، من ذكرهم فيك؟ كيف استدل الطيار الطريق اليك؟..
سأمسك بهم وأسلمك الطيار، ولكني أعلم انك ستكونين رحيمة بهم.
صدرك واسع ... كالحلم وكبير... كالقنابل التي قصفوك بها...!
تعالي او سأجيىء اليك مهرولا، لكي اقايضك بكل احزاني

ماذا عن المنفى والحزن بعد هجرتك من الوطن؟

لقد استهلكوا هذه الكلمة الى اقصى حد، فمنفى الآخرين ليست كمنفى الكردي،
نحن من منفى الى منفى وهم من أوطانهم إلى المنافي....،
نحن منفيون ننتقل الى المنافي.
غادرت سورية في التسعينات، وودعت عمر حسيب والأحبة وقتها كنت قد قررت ان اودع ذاكرتي المتعبة في مقبرة منسية على تل صغير من قرى وطني.
حسيب بكى وغنى طويلا، لكنه لم يمسك بالريح، فالريح مليئة بالجثث وبقايا الدكتاتوريات التي قتلته في الطرقات.
عمر نحيل كالغصن يترنح ليمنحك عطاء الارض في الليالي السكرى (صمت طويل).
لكن بعد عقد من الزمن في المنفى، فاجأني محمد عفيف - هذا الزوبعي المشاكس- في وضح النهار وحدثني عن الذكريات والعطاء و الابداع هناك، قرب رائحة الارض التي كانت تعرفنا ونعرفها......، فأبكاني.

- ماذا عن الأصدقاء، أصدقاء الدرب والمنفى ومنهم :

سليم بركات:
لا اعرفه كثيرا،زرته مرة في بيروت انا والشاعر بشير البكر في زمن الحرب والتسكع،
لكن في حوار صحفي معي،قال محاوري ضاحكا:ها قد تجاوزت سليم بركات، فنصفك الاعلى عاريا. قلت له: تجاوزته في مسألة العري ولكني لم اتجاوزه في النقلة الاولى ونبض الارض في تلك القرية الصغيرة موسيسانا حيث تسكن احدى قريباتي التي حدثتني عن عائلة بركات قائلة: "انهم ليسوا بشرا، انهم من الجن".
فعلا انه جني يجيد الرقص والايقاع قابض الريح و بقايا الغبار في وهم لا مثيل له.
مرة قال له احمد حسيني في السويد ان باخوس-اله الخمر(يقصدني بتلك التسمية) قادم الينا يحمل في جعبته الكثير من النبيذ، نعبها في ليلة واحدة لحد الثمالة والحب و القرف والوداع الاخير.
فأجابه سليم بركات: وقتها ساكتفي بالصمت.

احمد حسيني:
يمزج حنينه بلغة كردية مشاكسة يصنع بها شعرا،ضيع وقته كما ضيع محفظته الوحيدة التي تحمل اشعاره
في محطة قطار.
ينتقل من لندن مودعا اصدقاءه ويتلمس درب زوجته ثم يتجه الى المانيا مشاكسة في نسائها الجميلات ثم يداعب درب السويد عبر باخرة ليودع بها جسده المتعب في حضن البحر الثمل، يحمل بقايا امتعته البالية حيث لا لون لها من كثرة الغسيل.

يونس الحكيم:
وعدني ان يكتب رواية يتحدث فيها عن بدء التسكع من عامودا الى (فوبرتال) لكنه مازال خجلا ليطلعني على مسودة روايته تلك.
يونس بكاء الغربة واحزانها. انه شخبرة الاطفال على الورق.
يونس بشر وسفر وعامودا وحرائق الاكراد حين فقد شقيقه "نبيه" في لهيبها.
شاهد ساخر من الاشياء و من نفسه كالطيور التي تمنحنا رؤى السفر الى اصقاع بعيدة،ثم تغيب في السماء .

سلوى المحمود :
لن اتحدث طويلا عن تلك الانسانة القريبة مني، كجرح قديم..
أدهشتني عندما اجادت الكردية في غفلة مني ....اِنها حبي الاخير.

كيف تتعامل- و انت في الخامسة و الخمسين وربما اكثر- مع تلك المساحة البيضاء من روحك الممتدة بعيدا؟

ارغب ان اضيع وقتي في املاء المساحات البيضاء التي تتحدث عنها ولا وقت للحزن في هذا العمر من تجربة ابتدأت بحريق سينما عامودا مرورا بحريق سجن الحسكة وصولا الى حرائق المنفى.
هناك كان حريق البرد والثلج والكآبة في انتظاري.
لكنني أحلم بقبري بعيدا، وسأترك لكم عبثي المركون فوق المساحة البيضاء، لكي تتهامسوا عنها.

أتحدثنا عن مرحلة الآلام التي مررت بها كفنان؟    

لقد بكيت في السر والعلن وفي المحافل الدولية، لكنني اعتزلت مهنتي تلك بعد ان شتمني الغرباء.
بكيت على صدر امرأة،على حجر منسي،على جدار قديم.و تركت دموعي لونا على باب خشبي مهترىء ليدل على اثري!
حينها تركت لكم- ايها القادرون على عدم البكاء- ارديتي السوداء وقبعتي فاسخروا منها
لكنني اشك انكم ستبكون كثيرا.

القرية ؟ماذا عنها تلك البعيدة-القريبة؟

في تلك القرية، وعبر سنابل القمح تلمست دربي.، ولكني لا احبها بالرغم من تربتها الحمراء
لانها ولدتني في الزمن الصعب، واشغلتني عنها باللون والارق.
كان عليها ان تعلمني الرقص في الحانات مع نساء جميلات، لكنها علمتني الصدق، واللون
والنظر الى السماء الصافية.......... والصمت الذي لا يحتمل.

والدك و امك؟

والدي هو الصديق المبدع ابدا، وامي تلك التي ولدت لأم يهودية والتي عبرت طوروس وسهول سرحد الى قامشلو لتتزوج من كردي مغامر. لااذكر منها سوى جدائلها الطويلة، ورشاقتها، وكم كانت تحبني.

تحدثت عن الجميع الا عن نفسك؟

أنا اللاهث ابدا خلف السراب، والذكريات، والموت ؟!







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=383