*: مساحة من الأرض شمال المالكية يكثر فيها النرجس ويحتفل الأكراد هناك بعيد نوروز.
-4-
ضفرت أمام النافذة المشرفة،على الغرق في عالم الفناء شعرها، بإكليل من جلَّنار ضاحك ذات شقاء.
كسيحاً مرَّ الهواء إلى الغرفة، عبر النافذة المواربة، محاولاً تصديق أكاذيب الكبار الراشدين على الصغار، ما أن يسألونهم عن أمر يثير حيرتهم ويقلقهم.
استبدلت خفَّ نومها بصندل من جلد الثور، وخرجت إلى الفناء الخلفي الموحش من وحدة الحكمة.
استجمعت قواها العفوية، معتقدة بالكثير من الظنِّ أن صاعقة ما مرَّت ذات أرق أخرق من هنا، مباغتة النُّور المقنَّع في قلبها، تطايرت خصلات رفيعة من شعرها الممسوك بأصابع القدرة على الإمساك، أغمضت جفنيها بوقار ما تراءى لها من خيالٍ لغريب عاد يدوي ظلَّهُ كطنين اللوعة في هيافة روحها.
جمعت بأصابعها وريقات الأوكاليبتوس، وشرَّعت ذراعيها للنواح.
-5-
هل كنت طيِّعاً بما يكفي لإلهك الأزلي، أم أن حنينك خائن بالصدفة الإلهية, كلُّ من مرُّوا من هنا كسحابة أغنية مهشَّمة الأطراف, تركوا خيال الدلب يفيض عن جسد المحظورات، ويمتحنوا الأقدار اللزجة.
حين حطيت برحال قدرك على أرض الخواء هنا، ماذا كنت تنشد وأنت تعلِّق تميمتك المصلَّبة على خشب التصورات.
أي سِفرٍ من أسفارك كنت تقرأ, وأنت تنزع فتيل القنبلة اليدوية تلك، لترميها إلى الفناء الخلفي لروحها، فتبعثر طين الكتب السماوية، وتبعث الآلهة القلقة التي لم تغضِّ الطرف عن صلبك على صدرك, وتميمتها المعلَّقة في جيدها المحظور بالتكهن.
غريباً تجيد لغة التمدن عن أسلاف تركوا لك إرثهم كأساً عتيقة.
كان حرياً بها والوضع كذا، أن تحيل قضيتها العصيَّة على التأمُّل إلى المحكمة الشرعية، ولكنها تعلم عقبى هبوب الريح على الزيتون، فيهطل بَرَداً من صميم شجرهِ،لأنَّ سبل جدوى النسيان اعتصرها التذكُّر على بوابة (الفرمان) الذي طوَّب ملكيته لصالح الاستمرار حتى هاهنا، حينها أشارت إلى ناحية قلبها وهي تقول:
- هل ستنسى....؟
ثم تردف، ولكنني لن أُنزل الشتاء ماكراً، على عنقي فيحتسي النصل دم الفجيعة.
يجيبها بإيماءة:
- حائرٌ أنا مذ عجزتُ عن فكِّ رموز التمائم، وهنا في الفناء الخلفي لاأعلم هل يصلح المكان للرقص.
حينئذٍ تقابلت ظهورهما، وتقدَّمت الأرجل باتجاه المعكوسات، أبدع الفراغ في لفظهما شهيين كشهقة غروب.
الفرمان: مجزرة بعيدة الأمد تعرَّض لها المسيحيون والأرمن.
-6-
استوى العقل على عرش المنطق، وبمطرقتهِ، طرق ثلاث طرقات طويلة النفَس، على طاولة الإيمان المشبع بالتورية، بعد أن استحوذ الصمت على ساحة الفناء الخلفي.
رتَّل ترانيم السكون المنصت للضجر، فرفع صوته شاكياً(لهاتور)، عن وضعه سرَّ المحظورات في الخليقة، مبعداً بيديه خيال الحقيقة، وسراب الحياة، اتَّبع عقله المثقل بوهم التباين، ورحل غريباً كسحابة أغنية.
بينما هي أنشدت نشيد حكمة الأقدار، بأنين روحها الهاربة طائراً لازوردياً، لتعود الروح إلى القفص المعنى، راضية بالسرِّ المسكوت عنهُ.
هاتور: من أسماء السماء باللغة المصرية القديمة.
-7-
وحين نزلت بعد ذا بألفي عام، إلى الفناء، وجمعت أشلاء الأوكاليبتوس وزهر الدفلى الخجولة، كان الغريب قد أبحر بعيداً هناك عبر المتوسط الأبيض، إلى بلاد لاحكمة للأولين فيها.