وهناك العديد من الكلمات الكردية الأخرى أستطيع إيرادها داخل اللغة السومرية ولاداعي لإيرادها كلها، وإنما اكتفينا بهذا النموذج لندعم به دراستنا فقط.
أما من أين جاءت الكلمات الكردية إلى اللغة السومرية فهي من الأمور السهلة الإدراك والإستنتاج لمن يتتبع بجدية سويات تاريخ الشرق الأدنى القديم وشعوبه، حيث لابد من الإشارة إلى أن الشعوب تقتبس من بعضها بعدة طرق وهي:
1- عن طريق الغزو الخارجي، واقتداء المغلوب بالغالب كما يقول عالم الإجتماع والمؤرخ المغربي الشهيرابن خلدون، رغم أننا نرى أن نسبية هذه النظرية الخلدونية ولا نراها صحيحة على الدوام.
2- بالتسرب السلمي إلى المنطقة.
3 – عن طريق التجارة والمصاهرة والزواج.
ولكن ليس دون أن نذهب إلى القول ونرجح - ولكن بشيء من الحذر- من أن الكرد الفيليين اليوم في جنوبي العراق بالأخص يشكلون بقايا السومريين ونقول هذا بالإعتماد على عدة قرائن هامة منها:
1- تواجد الكرد الفيليين في نفس مناطق تواجد السومريين وهي جنوبي العراق ومنطقة عيلام الإيرانية اليوم ومنذ عصور موغلة في القدم.
2- وجود كلمات كردية فيلية في اللغة السومرية وبشكل واضح لالبس فيه كما بيننا آنفاً.
3- وجود قرائن جسدية تشير إلى التقارب مع الصفات الجسدية السومرية مثل الرأس المدور والقامة الدحداحة والأنف الطويل، وهذه الصفات موجودة بين الكثير من الفيليين الكرد الذين يقطنون جنوبي العراق وإيران اليوم.
هذا، وإذا ما تأملنا اوضاع شعوب الشرق الأدنى القديم، نرى أن الكاشيين والذين يعتقد أنهم يشكلون إحدى القبائل الكردية العريقة والسحيقة في القدم والتي كانت موطنها تمتد من لورستان الايرانية الى أواسط آسيا الصغرى تحديداً، نراهم يقومون بغزو منطقة بلاد مابين النهرين(سومر وبابل) وذلك في حوالي العام 1747- 1170 ق.م. لينتهى حكمهم على يد العيلاميين نهائياً في العام 1170 ق.م.(برزج سمكوغ- الشركس في فجر التاريخ) 146.
وما نعلمه هو أن الكاشيين وكانوا يتكلمون اللغة الحثية الآرية أو لغة قريبة منها بدأو في بداية عهدهم بالتسرب إلى بلاد السومريين سلمياً وعملوا عمالاً وأجراء لدى السومريين المزارعين ولذلك سماهم هؤلاء بـ(الكاسيين- كاسي) أي الفقراء باللغة السومرية، ثم قويت شوكتهم بعد ضعف السومريين والغزوالحثي لبلادهم، وما نعلمه هو أن الحثيين ينتمون إلى الشعوب الهندو أوربية وقد انسحب هؤلاء الحثيون سريعا بعدما سلموا الحكم للكاشيين الذين شكلوا طبقة كاشية حاكمة في بلاد سومر. ولكن الحق والحق يقال فقد ازدهرت سومر في عهد الكاشيين ازدهاراً كبيراًً بخلاف ما يقوله البعض من أنهم كانوا همجاً وهي صفة يعتقد أن السومريين الصقوها بهم.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: لماذا لم يحررالحثيون السومريين حينما رحلوا عن بلادهم بل سلموهم لقمة سائغة للكاشيين يحكمونهم على هواهم..؟ والجواب على ما نعتقد كان سببه هو أن الكاشيين يمتون بصلة قرابة للحثيين ويتكلمون لغة هندو – أوربية قريبة من الحثية والعيلامية حسبما يذهب إليه(أدوارماير). وبهذا يكون الكاشيون الذين كان موطنهم - وحسب بعض المصادر- هي منطقة جبال زاغروس وامتدادها في جبال آسيا الصغرى في كردستنا تركية الحالية، يكونون في الغالب من الشعوب الهندو- اوربية ومن أقرباء الحثيين الآريين الذين سكنوا بدورهم في مناطق الأناضول الحالية ومن هنا كان التعاون بين الشعبين على السومريين.
ومن بعد الحثيين والكاشيين كانت إحتكاكات السومريين مستمرة مع الحوريين، والميتانيين، والجوتيين، والسوبارتيين، والميديين أيضاً ويعتقد أنها جميعها من الشعوب الآرية أوالهندو- أوربية...التي تشكل أسلاف الكرد الحاليين. كل هذه الإحتكاكات والإختلاط أدت في النهاية إلى اقتباس السومريين – إن لم يكونوا أكراداً فيليين- لكلمات هندو اوربية أو آرية لازال يتكلم بها الأكراد وشعوب آرية أخرى حتى اليوم. ولكن السؤال الآخرالذي يفرض نفسه بقوة هو: أين كان موطن الأكراد في المنطقة آنئذ..؟ ومن أين جاء الأكراد الحاليون إلى المنطقة ياترى..؟
وفي اعتقادنا أن الجواب بسيط وبمنتهى البساطة، وهوأن قسماً كبيراً من الأكراد لم يهاجروا من أي مكان آخرمن العالم، بل كانت كردستان آهلة بالسكان منذ فجر البشرية أي منذ مرحلة إنسان كهوف (شانيدير) و(زرزى هزار) وغيرها من كهوف إنسان ماقبل التاريخ التي اكتشفها علماء الحفريات في كردستان العراق والتي يعود سكن الإنسان العاقل فيها إلى ماقبل عام (6000) ق.م بل وأقدم من ذلك بكثير حسب مصادر أخرى.
ولذا فقسم كبير من أكراد اليوم هم بقايا إنسان هذه الكهوف، الذين امتزجوا مع الميديين والشعوب الهندو- أوربية العريقة في المنطقة، حيث اختلطت دماء هذه الشعوب جميعها في بطائح كردستان ووديانها وجبالها، لتبقى في أماكنها منذ ذلك الوقت حيث تشكل منها جميعاً اليوم شعب آري عريق يدعى الشعب الكردي.
وهؤلاء الأكراد هم الذين ذكرهم السلطان السلجوقي (سنجر) وأطلق على موطنهم أسم كردستان في العام 1005هـ. وأعتقد أنهم ذكروا قبل هذا السلطان بكثير وقد ذكروا باسمهم الصريح /الكرد/ منذ العهد الأموي. وهم الذين لم يذكر التاريخ – ما عدا الكرد الميديين- من أين هاجروا ولا من أين جاؤوا..؟. فما هو السرفي عدم ذكرهم بهذا الإسم قبل العهد الأموي أو السلطان سنجر السلجوقي ياترى..؟ وفي الحقيقة مرة أخرى تكون الإجابة في غاية البساطة، وهو أن الأكراد لم يكن اسمهم أكراداً آنذاك، بل كانت لكل قبيلة من قبائلهم تسمية معينة وكان حالهم حال العشب الذي يظهر من تحت الثلج بعد ذوبانه، أو كما يقول المثل العربي ذاب الثلج وبان المرج، أي ما نريد قوله هو، أنه وحينما خمدت جذوة تلك الشعوب الهندو أوربية والذين أتينا على ذكرهم من ميتانيين، وحوريين، ولولوبيين، وجوتيين، وكاشيين، تلك الشعوب الجبلية العريقة في تاريخ بلاد مابين النهرين، انكشفت محلهم هذه الشعوب أو بالأحرى هذه القبائل التي تشكل جميعها قبائل أسلاف الكرد الحاليين، وهو مايذهب إليه العالم الروسي (مينورسكي) أيضاً، الذي يرى بأن الشعب الكردي يتشكل من خليط من القبائل الآرية التي أتينا على ذكرها من كاشيين، وميديين، ولولوبيين، وحوريين، وميتانيين...الخ. بعكس مايقوله المستشرق الروسي(مار) الذي يرى بأن الكرد شعب أصيل سكن موطنه الحالي منذ آلاف السنين. وعلى أية حال فالشيء الذي نستخلصه من كل ذلك هو شيء مهم جداً ألا وهو أن الأكراد أو اسلاف الأكراد كانوا متواجدين بقوة في السحنة النهرينية أي (بلاد مابين النهرين) ولم يكونوا يوماً ما دخلاء على المنطقة، فهم ليسوا ضيوفاً على أحد ولم يغتصبوا أرض أحد، والذي يقول بخلاف ذلك فعليه أن يبرهن لماذا يتحدث الكرد حتى اليوم بكلمات كردية دخلت اللغة السومرية منذ آلاف السنين، فمن أين جاءت تلك الكلمات ياترى...؟ ذاك سؤال يطرح نفسه اليوم بقوة على ساحة التاريخ الكردي قبل أي شيء آخر غيره.
..........................................................................