"ماذا فعلت ؟ لاشيء إلا أن تجرعت وفي صمت سموم كلامك الأخير" "ص:65
ويقول :
"وعندما تلمح إليها بما يمس مداخل كيانها تنقلب إلى أفعى رقطاء..."
ص:51
ثم مايلبث أن يأخذها برفق كخليلة ،حين تَسْحَرُه بمفاتِنها ،وتُذهِله برشاقتها ،يَنْشَدّ إليها في تواصل حميمي لطيف ، فيقبل عليها من زاوية أخرى ، بلون آخر كله رقة ومودة ، إذ يرى فيها الحبيبة الرقيقة والنغمة المطربة ..
"ماسر الفتنة البادية في صدرك؟"
ماهذه الرشاقة البادية في خصرك"؟
ويقول :
"أم نغمة ساجية من وتر قيثارة عازف مجنون هربت "
ص:44
4- الجانب الفني
تبرز أهمية الحس المرهف للكاتب في قدرته على حمل الكلمة دورا كبيرا ،من خلال كوامن النفس وآلامه الداخلية المريرة ،والمُلفِت هو كيف استطاع الكاتب أن يُلبِسها تنوعا حُلَلِيّا هائلا ،فجعل اللفظَ يتراقص تارة ،على إيقاع واقعه المباشر، بكل تفاصيله وبساطته وسهولته وسلاسته :وأخرى يتفًنّن في استعمالات لغوية مدهشة، تخرج من العادي بحمولتها المجازية ،والاستعارتية والترميزية والإيحائية والمجازية ،إلى غيرها من الصناعات، تظل ضربا من الصناعة المتقنة ،تحت وطأة فعل ما ..مايبين مهارة الكاتب في تصرفه في القدرة اللغوية التي يمتلكها أثناء كتابة نص ،وتشكيل معاني وصور ،بكل ما تستدعيه الخصائص الجمالية والفنية ..
***اللغة المباشرة
ضرب الكاتب أطنابَ الواقعية بأصواتها الصاخبة الرنانة ،في حروف الاستفهام التي تعكس حيرة الكاتب ،وفي حروف النداء التي تعكس حركة حوارية اهتزازية أحيانا ،صاخبة أخرى ،وهادئة لينة أو هامسة ثالثة ، في التشبيه ،بلغة مباشرة تقوم على وصف المشاهد بدقة ، واستفسارت وشروحات متعاقبة وسهلة حد الشفافية ،حيث يمكن القبض على المعنى من أول سطورها ...
"أتذكر كيف أقبلت عليك، كانت فاغرة الفم جاحظة العينين مرتعشة الأوصال لم يخطر على بالها أن تراك تقطع المسافة البعيدة ،"
ص:33
فالمتمعن لمجموعة المبدع "أفعى في الصدر " أو أي نص آخر، يستشف بوضوح ،أن كاتبنا له نفحة من الكاتب الكبير نجيب محفوظ ، يستقي مواضيعه من صلب الواقع ،مشخصا الأحداث بالوصف الدقيق، والتفسيرات الزائدة، والشروحات ،بوعي من الكاتب وكأنه عاشها، كيف لا وهو الممتلئ بالأحداث المؤلمة، تتزاحم وتتراكم إلى حد تكسير القوقعة، لتخرج دفعة واحدة ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى يهدف المبدع إلى إشراك القارئ في الهم الضارب في المضاجع ،لاستيعاب المعنى... وغير هذا وذاك فمبدعنا روائي ويهيمن عليه الأسلوب الروائي بتفاصيله العديدة ،ووصفه الدقيق ،وتعدد الأحداث وتعدد الأزمنة والأمكنة ،والشرح والتفسير، مهدما كل الفواصل بين السرد الروائي والقصصي ...
"لم أطلب منه إيضاحا ،لم أستفسر عن معنى هذه الرغبات ،
لم أرد أن أحشر نفسي فيما يخص أسراره الداخلية "
ص:54
***اللغة غير المباشرة
ينتقل الكاتب من طور إلى طور، من المباشرة إلى لغة غير عادية مدهشة ،بصورها الشعرية الرمزية ، الإيقاعية والإيحائة الانزياحية بكل مايمليه الخيال من مجاز ،ورمز ، في لغة مراوغة منفلتة ،مُتَنقّلا من المشهد الواقعي الحسي،بأسلوب تقريري مباشر، إلى مشهد مركب إدراكي حدسي ،بلغة شعرية متملصة من أثقال التشبيهات والنعوت، لتبدو في خفة الريشة ، تنساب من بين الأصابع ،مطرزة بصور شعرية تتسربل في تدفق شلالي ،حتى تصبح بعض المقاطع في قلب السرد ذات متن شعري صرف ..
"رقعة سمائي مكسوة بالسحب الداكنة ، حقلي مهدم الصرح ظامئ التربة مكسور الأغصان "
ص:24
وتصل الروعة مداها في الإيقاع الشاعري الهامس يرن في المسامع ،ضارب بالمباشرة عرض الحائط ،لتحل محلها لغة أخرى غير مألوفة في بدعة حداثية متينة ..
"وسواد الليل في عينيك
وحمرة الشفق المتراقص على شفتيك
وروعة قدك وتبرعم صدرك "
ص:66
وهذا التفجير اللغوي ساهم في هدم الفواصل بين ماهو سردي وماهو شعري ،كما هدم الجسور بين ماهو سردي وماهو روائي...
***الأسئلة
كل أديب يجري وراء سؤال معرفي للقبض عليه ،ربما هو الدافع الأقوى نحو الاستمرارية في الكتابة ،لكن الملفت لدى مبدعنا علي أفيلال هو استهلال أغلب نصوصه بأسئلة كمطلع ،حتى باتت عنده عادة ..
ماذا تريد منها؟
ألا ترى أنها لاتحمل وردا ولازهرا ؟
من نص "زفرة "
ص:7
أي بني إلى أي الأبوين أنسبك؟
من نص "بائع الحساء"
ص:17
ماهذا الرداء الداكن الذي تتلفعين به كأطياف الاكتئاب ؟
من نص "ظلال الحقد"
ص:37
وهذا يدل على قمة الحيرة التي تتلبس الكاتب ،إزاء مايجري في الواقع من قضايا وإشكاليات مبهمة ،لم يستطع الكاتب أن يفتق أسرارها ،ومايراه في الكون من لبس وعتمة ،ومن أشياء غامضة منغلقة ،لم يجد من تنفيس ،غير الغرق في خضم أسئلة تتناسل باستمرار ...
وأحيانا أخرى يصرف المبدع النظر عن طرح الأسئلة بنية الفهم والمعرفة ،لاستبدالها بصيغ تعجبية حين يصل المبدع قمة الدهشة والانبهار تجاه منظر أو ظاهرة ما ...
"ماتلك الخصلة من شعرك الكستنائي الطويل التي تتربع على جبينك كتاج ملكة سمراء كالغروب "
ص:44
وأحيانا أخرى يكون لها مرام استفزازية لجلب قريحة القارئ الفضولية إلى النص، كآلية من آليات إشراكه في ماينساب من مشاعره ..
أجل متى كنت تجلس هكذا ؟
متى كان نهر السين يعجبك؟
ص:49
5- خلاصة
نصوص المبدع علي أفيلال تتوفر على عدة عناصر، وخصائص متميزة، نختزلها في الصياغة ، والسبك والتصوير، والوصف الدقيق ،إذ
استطاع الكاتب هدم كل الفواصل، بين الواقعي والخيالي في لغة مطواعة ،عرف كيف يروضها بخضوع ،لحقول تصورية أدبية وثقافية ،تتفاعل وتترابط بعلاقات معقدة ،لإبلاغ مقاصد تجمع ما بين الاجتماعي والسياسي والديني والتاريخي ،مخلفة نوعا من الأثر..فهاجس المبدع علي أفيلال ليس الكتابة من أجل الكتابة ،وإنما الكشف عن الأسباب العميقة لتردي الأوضاع الاجتماعية ،وتفشي الفقر ،والانحلال الخلقي ،والهجرة في بعدها ،ومن حافة أخرى إفساح المجال للقارئ لاستيعاب الأزمة الحقيقية التي أفرزت واقعا ضحلا ....
بتاريخ 1/06/2008
الهوامش
----------
*عالم الفكر المجلد 35
*الثقافة ومعركة التغيير للدكتور عباس الجراري
*عالم الفكر المجلد 36
*"الرؤيا والفن في الشعر العربي الحديث"، للدكتور أحمد الطريسي أعراب
* بعض أعمال المبدع علي أفيلال
*المجموعة القصصية "أفعى في الصدر " للمبدع علي أفيلال