القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: حول المراجعة النقدية لسنوات الثورة ...

 
الثلاثاء 23 اذار 2021


فرحان كلش

المراجعات النقدية للذات هي إحدى دلائل النضج الفكري والقيمي، ومن خلالها يمكن تصويب الخلل والتوجه وفق مفرزاتها منطقياً.
السنوات العشر التي مرت كمدحلة على روح وجسد الإنسان السوري، علّمت على كل شلو ومفصل مادي أو معنوي فيه، قصمت ظهر اعتقاداته السياسية، ووهبت أحلامه للريح، السنوات هذه لم تكن عادية أو غير ذي أثر، وبعد....
الأسئلة يجب أن تراود الطلائع الفكرية والثقافية والسياسية والمجتمعية، بل يجب أن تهزه من كينونته، حول الذي حصل، بدءً من العنوان مروراً بالآليات وثم وصولاً للنتائج.


هنا تفرض المراجعة ذاتها كإحدى الضرورات، لتقييم الذي حصل فعلياً، وليس وضع قاعدة التبرير كمرتكز حتى لهذه الرؤية المراجعاتية، هذه العودة الفكرية إلى البدايات وتقييم مجمل السيرورة العملياتية للأحداث.
الملاحظ بوضوح أن الخطوط التي انطلقت من الحدث الدرعاوي المحلي أولياً، مازالت تحافظ على رؤاها الفكرية والسياسية ولم تُحدث فيها أي تغيير يُذكر، مازالت الخطوط متوازية تماماً، الرئيسية منها والفرعية كذلك، وما زالت أدوات المواجهة نفسها إلا ما تم فرضه بفعل عوامل الدعم الخارجي ونتائج التصادم الداخلي.
الرئيسي تماماً هو نقطة السير بالتوازي مع الخط الذي اختطه النظام بداية، ولذلك ما سمي أو أسمى نفسه بالمعارضة، هذا بحكم أن المعارضة هي معارضات بلا عيون، إنما تختلف بالشدة والمنسوب افتراقاً وتقارباً مع توجهات النظام.
إلى اللحظة لا مراجعة، لم يقل أحد أنه لم يصب هنا، وأصاب هناك، مازال النظام يراهن على ترقيع نفسه بفضل عوامل الصراع الخارجي، مازال يعتقد أن هذا العقد الكامل من حكمه ماهو إلا امتداد لحكمه طبيعياً وإن بشكل مختلف، فالشعب عنده هو الجموع التي قد تنتخبه، والوطن عنده هو الحدود التي يبسط سلطته عليها، والخارج هو الذي يرسل له المقاتلين، والحل هو أن يقدم كل من شاهر بمعارضته له فروض الطاعة، ويبقى الرئيس رئيساً والحزب الحاكم بعثاً والدستور ما يؤكد له إمكانية التوريث لابنه الذي فقسته البيضة ليس بكثير قبل سنوات الدمار والحرب، أو الثورة إن شئنا.
وبالمقابل استوجدت المعارضة لنفسها غرف نوم ربما أريح من تلك التي كانت لمناضليها قبل الحراك الشعبي، والتقت مصالحها مع طموحات بعض الجوار، ورسمت أو فلنقل رُسمت لها خطوط تحركها الدائري حداً وصلت لتضع رقبتها تحت أوامر أكثر من جهة، وبذلك فقد الطرفان قرارهما الخاص، وكان من الطبيعي أن يسيرا بالتوازي هكذا، ليس سنوات عشر بل إلى أن يموت حاكم دمشق وما حولها بأمر الله أو برغبة القوى الدولية .
الطرفان لهما مسميات عديدة، النظام يساوي حكم وميليشيات وڤيتو دولي، والمعارضة تساوي أموال ومجاهدين وعقائد متصارعة، وأمام هذه اللوحة يُقال بأنه لا حل عسكرياً، إنما الحل سياسي، وداعموا الطرفين متساويان بالقوة والسطوة الدولية، فأين المخرج؟
لقد بلغ الأمر بالكثير للاختلاف حول وضع عنوان للمرحلة السابقة، ثورة، حراك شعبي، أزمة، مجزرة، مؤامرة....الخ، ولما لا ولا حل بمعالم بينة في الأفق، بل المسموع بعد كل هذا الخراب، بإيجاد مخرج من دائرة الفساد السابقة، سواء من خلال ضابط أو مدني، لكل هذا لم نعلم بأن طرفاً ما قد راجع المرحلة وحاول تغيير حالة السير في هذا الدمار والجوع والموت، بل يؤكد الطرفان أن الحقيقة لديهما، وسيستمران إلى النهاية، وهذا يؤكد أن أحد أهم كوامن الصراع، هو التقاتل على السلطة، وليس برنامج خلاص وطني.
لقد كان برنامج النظام لسنوات حكمه واضحاً، ويكمن في الاستئثار الفردي بالسلطة، ونهب الاقتصاد، وارضاخ الشعب لعجلة دماره الوطني، غير أن المعارضة كذلك لم تضع البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي البديل، وكل المناطق التي يديرها لا تشكل ذلك الانموذج الذي يُحتدى به، أو يشكل البديل الأفضل، لذلك أساس ماتقوم به المعارضة هو البحث الدؤوب عن طريقة للوصول إلى الحكم، وبأي شكل كان، وهذا فعلياً تدوير لعقلية النظام ذاته للأسف.
وإذا كنا فعلاً ندعو إلى المراجعة الشاملة على المستوى الوطني، فإن الطرفان النظام والمعارضة على حد سواء، مطالبان بالتعامل مع القضية الكردية وفق الضرورات السورية الراهنة، وتغيير رؤيتهما المضللة تجاه هذه القضية والتي ستبقى الحالة الوطنية غير معالجة دون إيجاد حل شامل لهذه القضية وبشكل جذري، والقفز فوقها يعني خياطة جرح متقيح من الداخل.
وهذه المراجعة ليست مطلوبة من القوى الرئيسية المتصارعة فقط، بل من القوى الأخرى أيضاً لأنها بالأخير جزء رئيس كذلك من معادلات الصراع والحل، فالكرد مطالبون جداً بهذه الروح النقدية، ومن النفع تقييم حالات التموضع الكردي عموماً، ومعرفة أن القوى الكردية تسير على رؤية سياسية قائمة على إمكانية أن يعطف عليهم أحد، وليس وفق معادلة فرض الذات القوية على المحاور، وكذا من الهام أن نشير إلى أن البنية التي انبثقت منها حركات المعارضة كلها مازالت تؤثر سلباً على عقليتها، فما زال الاعتقاد بامتلاك الحقيقة سائداً، ومازال تصور نقد الذات نقيصة، ومازال رمي الخطيئة على كتف الآخر هو الصورة الأكثر حضوراً، وإذا لم تكن اللوحة هكذاً، فلماذا طال الصراع السوري عقداً من الزمن، ولماذا بقي الكرد محافظين على رؤيتهم التي خسروا ربما بسببها بما لا يقاس، إن الخطوط التي انطلقت منذ الأيام الأولى في تقييم الوضع العام أو تقييم الذات المنخرطة في الصراع مازالت تسير على نفس الاتجاه، ومازال تقارب هذه الخطوط يشكل خطاً أحمراً.
المعارضة مازالت مقارباتها كارثية، سواء خضوعها للمشاريع الإقليمية، أو تقاربها مع رؤى الداخل كالكرد مثلاً، وهؤلاء مازالوا يعتقدون بأن بيضتهم يجب أن تفقس في حضن الآخرين، وهكذا نسير في مفارقة المعارضة المنفصلة عن الشعب، وعدم تقديمها لأي رؤية أو نموذج صالح للاستمرار، وحينما نجمّل الرؤية حول اللوحة السورية هكذا، لأننا نعتقد أن الجميع مخطئ، والجميع يبرر خطأه والجميع لهم ما يصفق لهم، وهكذا تسير العربات محملة بإرث السنوات العشر، ولا تبدوا أمامها محطات استراحة على الطريق، وكذلك حتى لا يكون الحل هو حل الآخرين إن عُثر عليه نتيجة تعب كل الأطراف بالنهاية، من الضروري أن تقترب كتل المعارضة من حواضنها الشعبية، وعدم تضلليها وتنويمها في العسل كما يُقال، بل فتح آفاق لرؤية وطنية شاملة، وليس الإستمرا في تطييف الصراع السوري، ودون ذلك ستبقى المعارضة مجرد أفراد يجدون من يصفق لهم وتسير معادلة المصالح الفردانية لتحطم الأحلام والحقائق.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات