القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: حصاد مفاوضات وحدة الصف الكُردي برعاية أمريكية*

 
الأحد 18 تشرين الاول 2020


حسين جلبي

رغم النتائج الكارثية الماثلة للعيان، لربط القضية الكُردية في سوريّة بالأجندات الأمريكية في المنطقة، إلا أن البعض يرى في الإصرار الأمريكي على جمع المجلس الوطني الكُردي مع حزب الاتّحاد الدّيمقراطي في مفاوضات، إشارة إلى وجود رغبة أمريكية حقيقية بتوحيد الصف الكُردي، وإلى وجود ضمانة أمريكية بتطبيق نتائج اتفاق بالصدد بين الطرفين، وأبعد من ذلك مشروع أمريكي لتحقيق نوع من الحقوق للكُرد في سوريا، أصبح وجودها يتقاطع مع المصالح الأمريكية؛ التي تفرض على الأمريكيين التمسك بقوات سوريا الديمقراطية، بعد أن قاموا بالاستثمار فيها تمويلاً وتدريباً وتسليحاً، والبدء بمشاريع استثمار طويلة الأمد في المنطقة، باكورتها توقيع اتفاق إعادة تأهيل انتاج النفط وبناء مصفاتين متنقلتين بين شركة نفط أمريكية وقوات سوريا الديمقراطية في تموز / يوليو 2020.


بالغت بعض الأوساط الكُردية في أهمية اتفاق الإنتاج النفطي، واعتبرتها اعترافاً سياسياً أمريكياً بالإدارة الذاتية وبالتالي الكيان الكُردي المقبل، يأخذ بعين الاعتبار وجود عوامل تعطي المناطق الكُردية السوريّة الأولوية على غيرها، للعب دور القاعدة لتنفيذ السياسات الأمريكية والحفاظ على مصالحها، خاصةً مع وجود 90% من حقول النفط و50% من حقول الغاز السوري فيها، هذا رغم صعوبة التكهن بالسياسات الأمريكية في المنطقة، ووجود الحليف التركي الذي سبق للأمريكيين وأن تخلوا عن قوات سوريا الديمقراطية لمصلحته، ورغم الإعلان الأمريكي عن استمرار الالتزام بوحدة وسلامة الأراضي السوريّة، ووضوح طبيعة الاتفاق النفطي الذي يهدف إلى رفع الانتاج الذي انخفض إلى 60 ألف برميل يومياً، بعدما كان يصل في الأحوال العادية إلى 360 ألفاً، وذلك لصرف قسم منه على المصالح الأمريكية، المتمثلة بتمويل قوات سوريا الديمقراطية وتوفير الحراسة والرعاية لعناصر داعش وذويهم الذين تحتجزهم، بالإضافة إلى تغطية حاجة السوق المحلية .
بسبب عدد من العوامل، منها السياسات التي اتبعها كلٌّ من حزب العمال الكُردستاني والمجلس الوطني الكُردي، والمحورين المتباعدين اللذين انخرطا فيهما، والقمع والاقصاء الذي مارسه الحزب بحق المجلس، فقد أصبحا على طرفي نقيض وعلى درجة من العداوة، ورغم أن ذلك أضعف القضية القومية الكُردية في سوريّة، إلا أنه ساهم في ابقائها بعيدةً عن الهيمنة الكاملة للحزب الذي ألحقت سياساته أضراراً بها، وحافظ بالتالي على بعض ملامحها، خاصةً في أوساط المعارضة السوريّة التي توصل المجلس إلى بعض التفاهم معها بشأنها، ومن خلال فتح بعض القنوات الرسمية الإقليمية والدولية أمامه. إن خطورة المرحلة التالية لروجآفا، التي أخرجها نظام الأسد بطريقة بدت وكأنها عملية تحرير قام بها حزب الاتّحاد الدّيمقراطي للمناطق الكُردية السوريّة، هي في قيام الأمريكيين بإخراج المرحلة الجديدة بطريقة تدغدغ مشاعر الكُرد مرةً أُخرى، بحيث تبدو وكأنها عملية توحيد للصف الكُردي لأهداف قومية كُردية، وليست اصطفافاً للأطراف الكُردية جميعها خلف الأجندة الأمريكية التي لا تعمل سوى من أجل مصالحها، الأمر الذي سيجد معه المجلس نفسه إلى جانب الحزب على الجبهة ذاتها، مع ما قد يؤدي إليه ذلك من أخطار كبيرة، عند أول انعطافة في السياسة الأمريكية في المنطقة.
مع صعوبة حصول اتفاق شامل بين حزب الاتّحاد الدّيمقراطي والمجلس الوطني الكُردي، وصعوبة الوثوق بعمل الحزب بروح التوافقات التي يجري التوصل إليها، وتنفيذها طوعاً بما يتفق وحسن النية، وذلك بعد امتناعه عن الالتزام بثلاث اتفاقات سابقة معه، فإن الحزب الذي كان يرفض الشراكة مع المجلس عندما كان في أوج قوته، لم يعد يملك شيئاً ليقدمه له أو يشركه به سوى إعادة تعويمه، مقابل قبول المجلس بالشراكة في تحمل نتائج سياساته الكارثية خلال السنوات الماضية. أما كل ما يمكن أن يقدمه المجلس الوطني الكُردي لحزب الاتّحاد الدّيمقراطي، بالاضافة إلى الاتفاق معه على خارطة طريق لخروج شكلي لحزب العمال الكُردستاني من المنطقة؛ بعد أن انتهى دوره فيها وبسبب الرفض الذي يواجهه، فهو توفير نوع من الغطاء للحزب للاحتفاظ بوجود غير معلن تحت رايته، بسبب ما يحظى به من قبول بعد، مقابل صعوبة استمرار الحزب بالآليات القائمة، بحيث لا يتم اخراجه فعلياً من المشهد وتفكيك ما تبقى من إدارته، مع ما قد يؤدي إليه ذلك من جهةٍ أُخرى، من انهيار للأوضاع في المنطقة وخلق فوضى فيها، بصورة تهدد نوع من الأمان الاجتماعي الذي أوجده الحزب عبر مؤسسات كثيرة أنشأها، ويؤمّن العمل فيها دخلاً لعشرات الآلاف، وهو الأمر الذي سيؤثر بشكلٍ مباشر على المصالح الحقيقية لمختلف الأطراف .
ستبقى مفاوضات وحدة الصف الكُردي تراوح في مكانها طويلاً، بسبب تعارض تطبيع الأوضاع وحل القضايا الرئيسية مع وجود حزب العمال الكُردستاني وبقائه في المنطقة، وتأثير التوافق بشأنها على طبيعة الإدارة المعلنة من قبله، ورفض المجلس الوطني الكُردي من جهته التوقيع على اتفاقات جزئية أو مرحلية، يخص كل واحد منها قضية خلافية واحدة، يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها، ومطالبته بدلاً من ذلك ببقاء التفاوض حتى حل جميع القضايا الجوهرية العالقة، ومن ثم التوقيع على اتفاق شامل بشأنها، ما يعني عدم تنفيذ مسودة أي اتفاق يتم التوصل إليه بشأن أي ملف تفاوضي، بل وضعه في الأدراج انتظاراً للحل شامل لجميع القضايا. والواقع هو أن أحد أهداف المفاوضات الكُردية حول اتفاق يبدو بعيد المنال، هو اللعب على عامل الوقت حتى حدوث تغييرات؛ محركها الأساسي هو القرار الأمريكي بالبقاء في المنطقة من عدمه، وخاصةً من قبل حزب الاتّحاد الدّيمقراطي، الذي اعتاد اللعب على كل الحبال والمراهنة على عامل الوقت، بحيث سيستمر في وضع العصي في عجلات وحدة الموقف الكُردي واغراق المجلس الوطني الكُردي في التفاصيل ، بطريقةً لن يحصل معها الأخير خلال مرحلة التفاوض المديدة؛ مقابل الرضا بلعب دور اللاعب الذي لا بد منه لاستمرار اللعبة، سوى على بعض المنافع الشكلية، لكنها ستكون كافية لإسكات أصوات المتذمرين كلما ارتفعت، في الوقت الذي لم يعد الكُرد الذين أرهقهم القمع واستنزفتهم الخسائر يهتمون؛ سوى باستمرار الهدنة الهشة التي حققها التفاوض.
رغم أن أي اتفاق عتيد لإدارة المناطق الكُرديّة السوريّة، قد يعقد تحت الضغط بين حزب العمال الكُردستاني والمجلس الوطني الكُردي؛ سيقتصر على العموميات ولن يؤدي سوى إلى تجميد الوضع القائم دون معالجة المعضلات الحقيقية في العمق، إلا أن مثل ذلك الاتفاق سيبقى حبراً على ورق ويحمل معه بذور فشله، في انتظار اللحظة المناسبة لانقلاب الحزب عليه، لأسباب كثيرة تجعل من قبوله الشراكة مع أي جسم كُردي آخر على قاعدة المساواة أمراً مستبعداً، خاصة مع المجلس الذي يميل ميزان القوة معه لمصلحته بما لا يقارن، وعدم وجود ضمانات أو قوة ترغم الحزب على الالتزام بما سيوقع عليه، ووجود سوابق دلت على أن اتفاقاته مع المجلس إنما كانت مجرد تكتيكات انقلب عليها بعد أن حققت له أغراضه، واستحالة قيامه بتغيير طبيعته العسكرية والعمل في بيئة سلمية؛ لا تضمن له بقاءً أو غلبةً دون انفراد بالسلاح، وكذلك استحالة انقسامه على نفسه مثلما تتطلبه المرحلة، والفصل الفعلي بين المنظمة الأم؛ حزب العمال الكُردستاني وامتداده السوري حزب الاتّحاد الدّيمقراطي، وبالتالي عدم خروجه من المنطقة التي يعتبرها ملكية خاصة، ويعتبر وجوده فيها درة انتصاراته، والتي تعد في الواقع مع مناطق تواجده القسري في إقليم كُردستان، بمثابة الرئتين اللتين يتنفس من خلالهما والخزان البشري والمالي الذي يمده بأسباب البقاء، بعد خسارته حاضنته المفترضة في تركيا واخراجه منها.
سيبقى مصير الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتّحاد الدّيمقراطي وملحقاتها، سواءً بتمديد بقائها فترة أُخرى، أو إعادة ما تبقى من منطقة تديرها إلى نظام الأسد ثانيةً، أو تعرضها لمزيد من التمدد الروسي حتى ابتلاعها، أو حصول تدخل عسكري تركي جديد يستهدف بقاياها؛ بالتوافق مع الأمريكيين أو الروس مرةً أُخرى، رهناً بالمصالح الأمريكية في المنطقة أولاً، التي تعبر عن نفسها بقرار بقاء القوات الأمريكية في سوريّة من عدمه، وبالتحركات العسكرية الأمريكية في المناطق الكُردية من البلاد، والضغط على مختلف الأطراف من خلال ذلك لرفع سقف تلك المصالح، التي أصبحت المفاوضات الكُردية ومخرجاتها احدى أوراق الضغط لتحقيقها، وذلك بالارتباط مع قانون قيصر الأمريكي لمعاقبة نظام الأسد، حيث تعتبر المنطقة حالياً منصة لتحقيق المصالح الأمريكية ومرشحة  للعب دور عصا لمعاقبة النظام، بينما يحاول الآخرون العثور لأنفسهم على مدخل إليها، أما النظام فيحاول من جهته اتخاذها ـ مثلما كانت ـ رئة للتنفس، والافلات من تطبيق القانون.
* مقطع من كتابي القادم: (روجآفا، سقوط الخديعة ـ قراءة في محطات السقوط)

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.1
تصويتات: 10


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات