القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 228 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي




























 

 
 

مقالات: كيف نستفيد من دروس كورونا؟

 
الأحد 17 ايار 2020

 
 إبراهيم اليوسف
 
استطاعت جائحة كورونا التي انتشرت في العالم، واضطرت مليارات الناس، الذين يعيشون على هذا الكوكب، بمختلف قاراته، ورايات بلدانه، وألوانهم، وأجناسهم، وأديانهم، ومللهم، ونحلهم،  للاحتماء والحجر في بيوتهم، وهم يعيشون تحت سطوة عامل واحد هو الخوف ، بل الرعب، من هذا المرض الفتاك الذي يكاد يكون الأكثر تميزًا بسرعة انتشاره، وسهولة تنقله، والإصابة به، ما جعله يحتل موقع الصدارة بين الأخطار العالمية الراهنة المحدقة، بل ثمة من رأى ديمومته، ومقدرته على إزالة الوجود البشري، من سطح كوكب الأرض- استطاعت أن تحرك حالة الركود الفكري والفلسفي والثقافي، في هذه المرحلة المفصلية، في ظل التغييرات الطارئة في العالم، وحدوث نقلات كبرى على صعيد الحياة، وهيمنة الرقمية، وتوصيفها الافتراضي على العالم، وما يمكن أن يسببه ذلك من تأثير كبير على الفكر، فتح أبواب التحول على مصراعيه، من دون أن ننتبه إلى تلك الإشارات التي بدرت عمن تنبؤوا بواقع مجتمع ما بعد المعلوماتية، أو مجتمع المعلوماتية، بل تحديدًا مجتمع العولمة التي غدت المعلوماتية مجرد مفردة في عالمها،  وقد سخرتها وتسخرها من أجل مجتمع ذي مواصفات محددة؛ مجتمع الثلث الذي حذر منه كبار المفكرين اليساريين في العالم.


"يرى تشومسكي أن كورونا كان "صدمة العصر"، إلا أنه لا ينظر إليه، إلا كتحد عابر، لأنه يركز أكثر على مرحلة ما بعد كورونا"
ما حدث، ويحدث حاليًا، منذ نهاية كانون الثاني/يناير 2020، وحتى الآن، من تحولات كونية، في مرحلة ما بعد كورونا، يذكرنا إلى حد بعيد بتلك المرحلة التي أنتجت فيها الكثير من البحوث والدراسات حول مرحلة العولمة، وكان كثيرون من بيننا يتعاملون مع ما يصدر، أو مع ما يقرؤون، على أنه ليس إلا محض إنذارات استباقية، متوهمة، لا أكثر، إذ إن الكثيرين من المشتغلين في مجالات الثقافة والفكر تناولوا هذه المرحلة، وإن كان الإعلام في هذه المحطة الجديدة هو السائد، بل وإن كنا نجد إحجامًا من قبل مفكرين وعلماء بارزين، لما نسمع أصواتهم، كما ينبغي.
ويعد عالم اللسانيات المفكر الأميركي نعوم تشومسكي (1928) أحد أبرز المفكرين المعاصرين الذين تناولوا هذه المرحلة، وهم يتكئون على ما طرحوه في نهاية الألفية الماضية، وبدايات الألفية الجديدة، من أطروحات وقراءات، تكاد تكون منسية من قبل كثيرين منا، إذ إننا ونحن نعيش أزمة كورونا، غير المسبوقة في التاريخ، على صعيد إلزام المليارات من سكان العمارة الكونية ليعيشوا في بيوتهم محجورين، بتنا في المختبر التطبيقي الميداني لهاتيك الطروحات، بالرغم من أن التركيز كان من قبل على ما ستوصلنا إليه النيوليبرالية المتوحشة التي تتحكم بالعالم، وما خطرها: الحرب النووية والاحتباس الحراري، إلى جانب رأس الثالوث الرئيس وهو تدهور بل تحطم الديمقراطية، إلا من أعظم التحديات التي تهدد أمن وجود العالم. ما نقل على لسان تشومسكي، اعتمادًا على حلقة من برنامج  DiEM25 TV، قدم رؤية تشريحية للواقع، تحت ظل النيوليبرالية العالمية، حيث أطلق، وبجرأة، آراءه، في دونالد ترامب- من ضمن القلة التي تقود العالم وتتحكم به- كي يراه مجرد مهرج، معتل،  يقود هو ومن معه العالم إلى الهاوية، ويرى أنه قد تجاوز أن يستحق مصطلح "فاشي" لأن للفاشي ذاته أخلاقياته، وقيمه، وإن خطورته تكمن في امتلاك بلده القوة العسكرية الهائلة.
وإذا كانت طروحات تشومسكي، حتى الآن، بحسب ما جاء في مقال سامية عيسى-  "نعوم تشومسكي: ما بعد كورونا أخطر من الوضع الراهن" والمنشور في الإندبندت عربي-  لا يزال في إطار تشخيص الحالة ما قبل الكورونية، فإنه يرى بأن تحديات كورونا قد عمقت الأزمة، ومن بين ذلك أن الذين يحجرون منزليًا أو صحيًا هم- في الأساس- يعتمدون في قوتهم اليومي على قوت يدهم، وهكذا فإن الحجر يمنعهم عن العمل، ما يقدمهم فريسة للموت، وتتجلى هنا إنسانية رؤاه، لا سيما عندما يبدي استغرابه، من استمرارية النموذج الكوبي في الحياة، بالرغم من الحصار الاقتصادي الأميركي لكوبا، منذ بداية استقلالها، من دون أن ينسى مد الكوبيين يد المساعدة لليونان، بالرغم من بؤس أوضاع بلدهم، اقتصاديًا، في الوقت الذي لم تفعل دول أوروبية مثل ذلك؟
 
يرى تشومسكي أن كورونا كان" صدمة العصر"، إلا أنه لا ينظر إليه، إلا كتحد عابر، لأنه يركز أكثر على مرحلة ما بعد كورونا، إذ يراها الأشدَّ خطورة، لا سيما بالنسبة إلى الدول التي تعاني من العقوبات، وإن كان يمكنه إضافة ما تمارسه من ابتزاز للعالم، وعدم أداء دورها، من خلال موقعها الذي منحته لذاتها، في قيادة الأسرة الدولية، وما الحروب التي تشتعل إلا نتيجة أحد أمرين، أو كليهما معًا: التدخل في شؤون العالم، من جهة، ومن جهة أخرى: إدارة الأزمات، والحفاظ على توازنات كفتي الصراعات، كما عبر عن ذلك هنري كيسنجر- وزير الخارجية الأميركي الأسبق-  بقوله "إن مصلحة  أميركا  لا تكمن في حل الصراعات بل بإدارتها" والإمساك بخيوطها، وهو أبلغ ما يمكن أن يقال عن سياسات أميركا، ودورها في العالم، بما يختصر آلاف المجلدات حول تقويمها وواقعها!
ولم ينس تشومسكي حقيقة انهيار الأسواق، في ظل هذه المرحلة- وثمة تمهيدات سابقة لذلك-  باعتبار أن أزمة كورونا سرَّعت من إيقاع الانهيار، بل إن مستقبلًا  كارثيًا ينتظر اقتصادات بلدان كثيرة في العالم، فيما لو استمرَّ تحدي كورونا للعالم، بالرغم من أن تقهقر الأسواق العالمية ينتظم، في الأصل، ضمن إطار حالة الخلل المهيمنة على الدورة الاقتصادية العالمية، نتيجة ابتلاع الحيتان الكبرى في العالم- وفي مقدمها  الحوت الأميركي الأعظم- لمقدرات شعوب العالم، حتى الآن! 
 
واقع هيمنة التكنولوجيا
ما هو أكثر أهمية هنا تركيز تشومسكي على واقع هيمنة التكنولوجيا، والهواتف الذكية، على الجيل الجديد، الذي بات يعيش عزلته، بعيدًا عن وسطه الاجتماعي، ويرى- خلاف ما هو سائد- أن هذه العزلة مفيدة، في مرحلة العزل وشساعة الفراغ، وذلك لتنظيم الناس، وتوجيههم، و"التباعد" في ما بينهم، كما أنه يشير إلى احتمال توقف شبكات الإنترنت وهو نفسه شبيه، أو نظير التخوف الذي كان يساورنا من توقف المعامل والمصانع العظمى، إذا ما تفشى- مثلًا- فيروس كوفيد19، بين عمالها، ما يؤدي إلى انهيارها، ويسرع من الانهيار العام، وخطر الوجود البشري.
ولاكتمال رسم ورصد النيوليبرالية، في أعلى صور وحشيتها، إشارته إلى تباطؤ، أو تراخي، أو إحجام شركات الأدوية عن إيجاد ما يلزم من لقاحات وعلاجات، أسوة بما فعلته إزاء ظهور فيروس إنفلونزا الخنازير في 2009، لا سيما وأن الدراسات كانت قد أظهرت بأنه ستكون لفيروس سارس الذي ظهر في 2003، سلالة من الفيروسات التي ستظهر لاحقًا، ويقدم تشومسكي مفارقة صاعقة وهي أن شركات الدواء تهتم بإنتاج الكريمات على
 
"إن تشومسكي إذا كان قد قرع أجراس الخطر، منبهًا أن مصيرًا غامضًا ينتظر العالم، في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، فهو بذلك يشخصن، على منصة مختبره، الحالة الكارثية التي سيصبح عليها البشر"
حساب إنتاج العقاقير والأدوية واللقاحات لأن الأولى منها أكثر استدرارًا للأرباح!
ومن بين أبرز ما جاء على لسان تشومسكي اعتباره أن فيروس كورونا كان إنذارًا للعالم، بل إنه "علامة تحذير ودرس للبشر، وعلينا أن نبحث عن الجذور التي تؤدي إلى الأزمات التي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم"، إذ إنه بالرغم من قتامة اللوحة، إلا أنه يرى "أن الناس سيجدون طريقهم وسيعثرون على وسائل أخرى للاستمرار وتوسيع الأنشطة وتعميقها وترميم انكساراتهم ولملمة جروحهم، ليبنوا عالمًا جديدًا قابلًا للعيش فيه. يكفي أن نمتلك الإرادة والعزم والتصميم، يكفي ألا نفقد الأمل".
مثل هذا التفاؤل، من لدن مفكر معاصر، يعيش بين ظهرانينا، وهو يسير بثقة، وبرؤى عميقة، نحو استكمال قرن من حياته، يجعلنا نتوقف مليًا عند آرائه، لا سيما عندما نوقن أن قوى الشر ستواصل وظيفتها، إلا أن قوى الخير في العالم هي التي ستنتصر، في نهاية المطاف، لأن الحياة مبنية على معادلة السيرورة، والديمومة، وما المنجز البشري، عبر التاريخ، في مجالات الحضارة، والتطور، وأرومة الأخلاق، إلا الشاهد الأعظم على هذه النبوءة!
من هنا، فإن تشومسكي إذا كان قد قرع أجراس الخطر، منبهًا أن مصيرًا غامضًا ينتظر العالم، في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، فهو بذلك  يشخصن، على منصة مختبره، الحالة الكارثية التي سيصبح عليها البشر، إن لم يستفيدوا من دروس هذه المرحلة الصعبة التي حضت كلًا منا لنفكر بخلاصنا الذاتي فحسب، ونتخلى عن أقرب ذوينا، بعد أن سلس فضاء العودة إلى الذات، في سبيل ديموماتنا الفردية، وفي هذا ما يحطم "الحضارة/ الأخلاقية" للبشرية، على مدى آلاف الأعوام، إلا إنه- في الجانب الآخر من خطاب التحذير- أشار إلى باب النجاة، المفتوح، في ما لو أجاد العالم كيفية تجاوز حقول الألغام التي زرعها حفدة قابيل وتشكل أعظم خطر على مصير ومستقبل العالم، في إطار تأبيد نظرية عالم القلة، عالم التوحش، بعد أن يكون سوادنا غائبًا عنه! إنها ثنائية السيرورة والزوال إذًا، في أخطر منعطف للتحدي البشري على مدار التاريخ، وليس علينا إلا أن نحذر!
 
(من مخطوط "جمالياتُ العزلة: في أسئلةِ الرُّعب والبقاء!")
ضفة ثالثة

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.33
تصويتات: 6


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات