أنا والعنكبوت وفيروس كورونا
التاريخ: الأحد 05 نيسان 2020
الموضوع: اخبار



إبراهيم محمود

قبل ربع قرن لُدِغتُ من عنكبوت، ازرقّ كامل جسمي تقريباً، فخضعت لعلاج استمر قرابة ستة أشهر، من قبل كل من الصديقين: الدكتور الراحل فارس كره بيت، والدكتور بشير أحمد. عانيتُ خلالها آلاماً، وحالات إغماء وشعور بالغثيان إذ كنت أتعرض لها لسنوات فيما بعد دورياً، بمجيء يوم اللدغة، سوى أن الذي استفدتُ منه هو أنني كنت أعاني سابقاً من آلام " القُلاع " الذي كان شبه ملازِم لي، فانتهى أمره نهائياً، لا بل وشعرت بقوة حاسة البصر. أعني بذلك، أن فعالية السم التي دخلت الدم، وعولجت السمّية هذه، أصبحت مصدر قوة لهذا الدم نفسه . 


ما أريد قوله، من كل ذلك، ليس سرد واقعة حياتية، إنما واقعة تاريخية، يعلَم بها العديد من الأصدقاء حتى الآن، ذات صلة بواقعة راهنة وثقيلة الوطء، وهي واقعة فيروس كورونا، حيث إن أكثر الرهانات اليوم، تدور حول كيفية إيجاد مصْل وتنشيط الدم بالمقابل، على طريقة " وداوني بالتي كانت هي الداء ". أي كيفية أخذ بروتين من فيروس كورونا نفسه، وتحويله إلى دواء، للقضاء على الفيروس نفسه، وفي المحصّلة، فإن معرفة الدم، بزمرته، جهة المصاب والمعافى، تكون مدخلاً لمعرفة الكثير من حركة فيروس كورونا، وهو ما يتم التأكيد عليه عالمياً.
ولا أتحدث هنا كطبيب، فليس لي مقدرة طبعاً للدخول في حيثيات الطب، سوى أن الذي أستطيع التشديد عليه، ومن خلال خبرة حيّة، هو هذا الدم الذي لا يستهان بأمره، فنحن نتحدث عن الأمزجة المختلفة، وعن تغيرات كيميائية، في حالات الانفعال، وعن سَورة الدم، وعما نتعرض له في حال الفرح أو الغضب أو الغضب، وهي حالات تترجمها حركة الدم عبر الأوردة والشرايين، والضغوطات التي تثقِل على القلب بالذات. لنكون في الحالة هذه رهائن دمنا، وأننا فيما نسميه مشاعر أو عواطف أو  توترات مختلفة، نجد صوراً " شعاعية " متلونة وذات خطوط مختلفة عبر الدم. وليس ضبط الأعصاب إلا التحكم بفورة الدم، ليكون الهدوء هو المحصّلة.
ولا بد أن مفاتحة مفهوم الجينات، وما للجينات " المورثات " من صلة مباشرة بسريان فعل الدم في الجسم، تكشف عن عوالم هائلة غاية في المجهرية، عبر وسائط مصنّعة تتخلل الدم، أو يريها الدم إيانا . ليكون الدم متراسنا ونبراسنا، خندق وقاية لنا وعنصر وشاية علينا، مع أي ضعف، كما أنه عامل صد لأي فيروس مع كل عامل تحصين بدواء معين. والأكثر من ذلك، وفي العودة إلى البداية، يبرز السم مركَّباً هنا: فهو داء ودواء" استعيدوا صورة الحيّة المرسومة أعلى كل صيدلية، ورأسها يتدلى على كأس، تمثّل منهل حياة أو عافية ". في السم يكون الموت والحياة، يعني أن ليس من دواء إلا وفيه نسبة من السّمّية " بالمناسبة، ولعلم من لا يعلم أن كلمة " الصيدلية " تقابل الكلمة اليونانية الأصل φάρμακον ، pharmakon وتعني السم والدواء "، وبالمقابل، فإن كلمة " فيروس " ذاتها، تعني في اللاتينية: عصير، مزاج، سم، عدوى...الخ "، وليس من غرابة في ذلك، إذ إننا نعيش وسط كم هائل من الفيروسات، ودونها تنعدم الحياة، وليكون الفيروس نفسه ثنائي الدلالة: سلبي وإيجابي، ورهان الطب، هو في كيفية التفاعل مع الفيروس ليكون معيناً للجسم لا مدمراً له، ولهذا أيضاً، يكون هدف الطب المخبري هو في كيفية تحويل هذا الفيروس " فيروس كورونا " إلى عنصر حيادي ومن ثم فاعل إيجابي للجسم " كيفية أخْذ بروتين منه وتحويله إلى وسيلة علاجية للمصاب به، بطريقة معينة، ونظراً للدقة المجهرية الهائلة جداً لهذا الفيروس، لم يتم التوصل بعد إلى معرفة كنهه، ليصبح هذا " العدو اللدود " صديقاً حميماً للجسم، وقد عولِج مخبرياً .
فيروس كورونا يعمل تبعاً لقانونه الطبيعي، والتحدي الكبير من قبل الذي يتصدى له، وقد أشكل عليه مفهوماً، هو في كيفية تفعيل أثره طبياً، أو صيدلانياً، وهذا يجعل من معرفة الطبيعة أمراً لا غنى عنه. فلا يطيع الفيروس إن لم يُطَع.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26121