من المعلوم أنه لدى جميع شعوب العالم علماء لغة منتدبون لتطوير لغاتهم و تحديثها و جعلها مواكبة للعصر الذي تعيش فيه , علماء يعيشون في مختبراتهم( اللغوية) ينحتون المصطلحات الضرورية و يصدرون سنوياً نشرات بآخر ما توصلوا إليه في حقل اللغة مساعدين بذلك الكتاب و المثقفين على تطوير لغتهم و اكتشاف المخزون( المفرداتي) لتجاوز اللغة المغبرة و نفض ما علق بها من رماد حرائق أوهام تضخم الذات. كل شعوب العالم على سبيل المثال تملك تقويماً واحداً بأشهر معلومة للكل و واضحة حين التلفظ بها للقاصي و الداني, ففي الصين التي فاق سكانها المليار نسمة منذ سنوات بعيدة ليس هناك مثقف واحد و لا كاتب يجرؤ على (اختراع) اسماء للشهور من تلقاء نفسه. الكل خاضع للغة المندارينيةا الموحدة . أما عندنا فلكل كاتب ( شهره) الخاص به و لكل حزب تقويمه الخاص به و لكل موقع الكتروني فصوله الخاصة به!!
كتبت قبل عدة أعوام زاوية في آزاديا ولات الجريدة الصادرة بكرديتها الخاصة بها في اسطمبول التي لا تتكلم إلا بتركية يعتمدها الأتراك من اكبر كاتب فيهم إلى أصغرهم و في أي بقعة من الأرض وجدوا. ناديت في تلك الزاوية قائلاً: يا شهور الأكراد اتحدي! و كان هذا النداء سيمفونية تعزف للثيران المستريحة في أسفل الربض!! فلا الشهور الكردية اتحدت و لا لجان تشكلت لبحث هذه الفوضى العجيبة التي لا نظير لها حتى بين أكثر قبائل الأدغال الافريقية تخلفاً.
أما عن قواعد اللغة الكردية( و أتحدث هنا عن الكرمانجية الشمالية) فحدث و لا حرج! كل كاتب هو عالم في قواعد اللغة و كل دار نشر لها قواعدها الخاصة التي تتعامل معها على أنها قرآن من لدن عزيز حكيم. فهده دار نشر تقدس الإمالة( إمالة الأحرف الصوتية في حالات إعراب خاصة) و كنت و كانت روايتي Mijabad ضحية مثل هذه العقلية ( ديكتاتورية اللغة) و خرجت روايتي للقراء بشكل عجيب من الناحية اللغوية فاعتبرت ذلك زناً لغوياً. و لا شك أنني و الناشر كل واحد منا اعتبر نفسه على حق في ظل غياب مرجعية لغوية تصلح حال اللغة و تنهي مثل هذه الخصومات بما لها من سلطة معنوية على الجميع.
يقول لك ناشر ما: سننشر كتابك و لكن وفق اللغة التي تعتمدها دار النشر!! و لا أغرب من هذا الشرط, حيث لا يمكن أن تسمعه في أي دولة في العالم مهما كانت صغيرة الحجم و السكان!! مسألة اللغة يتم حسمها خلال بضع سنوات إن كانت هناك نية خالصة لتجاوز العقبات أما نحن فلغتنا حمل يقوده كل مبتدئ إلى مسلخه و يذبحه على هواه قرباناً لمعبوده فلان أو علان!!
طبعاً ليس معنى كلامي هذا دعوة مفتوحة للفوضى و التسيب اللغوي, إذ لا بد من الرقابة اللغوية و التحرير اينما كان, بل هي دعوة لتوحيد اللغة و قواعدها ما دام توحيد الأهداف يبدو شبه مستحيل في الوقت الحاضر على الأقل.