أيها السيدات- أيها السادة الأفاضل- مساؤكم سعيد
في محراب الذكرى تنتابني مشاعر مختلطة . إذ تعيد بي الذاكرة إلى صباحات يوم قادني قدماي إلى مكتب الراحل د.نورادين ظاظا ، وكان لي شرف اللقاء مع هذا الرجل الكبير _ فقد كان لي معرفة جيدة بماهيته من خلال أحاديث من كان لهم صلة وثيقة به، واليوم أنا معه وجها لوجه ، أتفرسه جيداً وأتعرف على ميزاته بشكل أوسع . أتصوره الآن وكأنها اللحظة ، شخصية مهيبة جالس وراء طاولة خشبية من نوع زان وأمامه آلة كاتبة أجنبية ضمن فراغ كبير لا يوجد سوى رفوف خشبية خالية ، يعلو سيماه شيئ من الكآبة.
زرته وفي علمي أنه قد تعرض لعملية غدر كبيرة . ممن ؟ من الإنسان الذي أحسن إليه ، أنتشله من مذلة المهنة ( مع احترامي الشديد لكل عامل مهما كانت مهنته وضيعة تقيه من ذل السؤال ) أنما رقة شعور د. نورالدين وحبه لأبناء شعبه أبى عليه أن يرى شاباً كرديا ًمطروداً من عمله نتيجة تقييم سياسي إبان عهد الوحدة ( بين مصر وسوريا) . أسمحوا لي فقط بالإشارة ، إلى أنه أنتشله من نادل في مقهى الكمال وبراتب ضعيف إلى أن يسلم له مسؤولية نشاطه التجاري ، واضعاً فيه كل ثقته . ولا يسعنا الوقت للدخول في التفاصيل فمكان ذلك في وقت آخر.
أيها السادة ، المرات القليلة التي التقيتها فيها لم تتح لي الفرصة الكاملة للتعرف على عوالم الرجل ، كما أشاء ، لذا ربما كان انطباعي بقي عنه ناقصاً إلا أني كنت مبهوراً به ، لما لمست فيه كل خصال العلماء من سعة الاطلاع وعمق المعرفة وإرادات المتابعة ودقة النظر ووضوح الرؤية ، وصدق القول .
لا يترك لحظة دون فائدة ، يظل يسأل ويتساءل ، وكما نعلم أن التجديد لا بل الثورة تبدأ من السؤال.
عرفته كاتباً ، أديباً ، لغوياً ، ناقداً ، وسياسياً بارعاً من الطراز الأول بعبارة واحدة ، إنساناً ًمتكامل الصفات في إطاره الإنساني.
عرفته غيوراً على تراث شعبه ، حريصاً على حماية لغته القومية ، لذا وضع وصية هامة في مقدمة (ممي آلان ) لأبناء شعبه وأمته. يقول :
أيها الكرد: إذا أردتم صون وجودكم وحمايته من التمزق والضياع تعلموا لغتكم قبل كل شيئ ، وعلموها للآخرين وإذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم ، وتبنوا المعرفة والصداقة على طريق التقدم و الازدهار مع الشعوب الأخرى ، وتحيوا بكرامة وعزة، أيضاً تعلموا لغتكم ، و علّموها للآخرين.
انقطعت صلتي به بعد مغادرته للبلاد من جديد إلى الاغتراب ، لكني تابعت التعرف عليه أكثر من خلال من كان على صلة وثيقة به، يحدثني عنه دوماً يقول عنه المرحوم حمزة نويران / عضو مؤسس / للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا . لقد ساهم الدكتور نورالدين معنا مساهمة فعالة حين وضع البرنامج السياسي للحزب وذلك بالنصح والإرشاد معللاً كل فكرة بالمنطق والموضوعية يبعدنا عن المغالاة والتطرف ، لقد أعطى د. نور الدين للحزب دفعاً كبيراً بعد انضمامه إلى الحزب أوائل عام 1958 واختير رئيساً ًللحزب ، وكان الاختيار صائباً لأنه كان بحق وجدارة هو عقل الحزب يقول المرحوم حمزة بالنسبة لي أنا القروي لا أعرف سلوكيات المدينة في الجلسات ولا اعتبارات بروتوكولية ، كثيراً ما كان يتدخل ليوجهنا كيف نتعامل مع الأشياء ، من ارتشاف فنجان القهوة وحتى استخدام الملعقة والشوكة والسكين لضرورات بروتوكولية وعند الحاجة.
لقد كشف لي المرحوم حمزة نويران خلال الحوارات والمناقشات عن فكرة جد متقدمة بدأت ملامح الفكرة تظهر للعلن الآن ويتم تداولها في الندوات لقد نقل عن الدكتور نور الدين فكرة ما يمكن أن يجد فيه الأستاذ جاد الكريم الجباعي هاجسه في تجسيد فكرة الاندماج الوطني والاجتماعي بين مكونات الشعب السوري ، وما قد يجد فيه جواباً على تساؤلات الأستاذ طارق أبو الحسن وغيره من الأخوة العرب لماذا أحزاب كردية خاصة ؟أو لماذا أحزاب كرية محضة؟ وتلك أسئلة مشروعة...
نقلاً عن المرحوم حمزة ، طرح د. نور الدين ظاظا على السياسي السوري المعروف المرحوم أكرم حوراني ، إن كان هناك إمكانية تأسيس أو تشكيل كيان سياسي مشترك يستوعب ويحتضن سائر مكونات الشعب عرباً وكرداً وآخرين على أن يحتوي برنامج هذا الكيان ما يضمن حقوق الأكراد الثقافية والسياسية والاجتماعية في إطار الوطن السوري ، وكقضية من جملة قضايا البلاد العامة . استحسن المرحوم أكرم الحوراني الفكرة ، لكنه قال لولا واقع معين يحول دون ذلك ، الكرد يقطنون في المناطق الشمالية ، وعلى اتصال مباشر بأكراد تركيا والعراق ، فلو كان الأكراد قاطنين منطقتي حمص وحماه لما كان هناك إشكالية .لأن المرحوم الحوراني كان مأخوذاً بفكرة الدولة القومية المتجانسة على غرار غيره من المفكرين العرب في ذلك الوقت.
نعم لقد كان يتمتع بحدس كبير واستشفاف للمستقبل ، ويحدد ما يمكن أن يكون مخرجاً للوصول إلى الحقوق ، فهذا الرجل د. نور الدين طرح هذه الفكرة قبل 50 عاماً على نحو ما نتداوله اليوم ، حبذا لو امتلك منتقدوه الجرأة للاعتراف بقصور الرؤية لديهم.
حقيقة- انه رأي في شعار تحرير وتوحيد كردستان شعاراً خيالياً لا واقعياً – على ضوء معطيات الواقع الإقليمي والدولي وخصوصية واقع الشعب الكردي في سوريا ، رأى أن أنجع وسيلة للوصول إلى الحقوق يتم في إطار راهنية الظروف الخاصة بالبلاد وأن القضية الكردية جزء أساس من قضايا البلاد ، وأن الحل يتم في إطار مجمل قضايا البلاد العامة وفي ظل مناخ ديمقراطي تعددي . ويعلل ذلك بأن التراكم النضالي للأكراد في سوريا لا يمكن أن يقودهم إلى قيام ثورة مسلحة وفي النظام الديمقراطي أيضاً سيكون عدد نواب الكرد أقل عدداً قياساً إلى عدد النواب العرب والآخرين لذا لا يمكن تحقيق مطالبنا إلا بالتوافق مع سائر مكونات أبناء الشعب السوري و هذا ما سجله حرفياً المرحون حمزة نويران في أوراق من الذاكرة (متوفي في حزيران عام 1996) وهكذا وئدت الفكرة في مهدها ، ربما لم تكن الفكرة مقبولة من جانب بعض غلاة الكرد الانعزاليين ، المزاوديين أيضاً ، لكن لو أتيح للفكرة أن ترى النور لربما كنا اليوم أمام تنافس النموذج والبقاء للأصلح.
الرجل الذي نحتفل بذكره كان مؤمناً بالحوار طريقاً للتفاهم .
ينقل عنه أنه كان يحضر مؤتمرات الطلبة في أوربا كثيراً ويطرح قضايا الشعب الكردي ، لكنه لا يجد من يناقشه أو حتى يستنكر عليه شيئاً ، حتى كان في أحد المؤتمرات زعق في وجهه شاب تركي ، كفى ، ليس هناك شعب كردي ، إنما هناك أتراك جبال أميون جهلة . نحن معنيون بتحضرهم . فصفق له الدكتور طوبلاً ! قيل له كيف تفق؟ أما سمعت ما يقول ؟ قال بلى ! لكن لا بأس بذلك ألم يفتح فاه بالرفض ؟ هذا يعني أنه خطا الخطوة الأولى نحو الحوار ، وسنلتقي مرة قادمة.
الحوار أساس التعرف والتفاهم والتقارب ، وإزالة العراقيل والعقبات .
أيتها السيدات والسادة الكرام:
د. نورالدين سليل أسرة نبيلة ضحت بالغالي والنفيس من أجل قضية الشعب الكردي ، كانوا في المقدمة في كل المحطات ولا أريد الدخول في تفاصيل نضالاته وما تعرض له من عذابات يكفي أن أشير إلى أنه عانى الأمرين ، ووقع بين نارين ، نار الحاقدين والمنافقين والمغالين من الكرد ونار أمن السلطة التي ما انفكت تلاحقه وتضايقه سجناً واستجواباً حتى غادر بلده سوريا إلى لبنان الحرية لعله يستطيع مواصلة نشاطه السياسي بما يفيد ، وحتى هناك لم يسلم قد تم اختطافه من قبل أمن سوريا وأودع سجن مزة فترة ثم نفي إلى مدينة السويداء عدة أشهر وبعد الإفراج عنه وجد نفسه في الشارع قد خسر كل ما يملك ، وجد استحالة الاستمرار ضمن هكذا ظرف فقرر مغادرة البلاد وإلى الأبد.
لقد قضى الرجل مأسوفاً عليه لكنه مضى بعد أن غرس عميقاً جذور الواقعية السياسية في الساحة الكردية ، وقد سلك منهجه الواقعي الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي بقيادة عبد الحميد درويش لا بل عمق هذا المنهج ليغدو اليوم وأقولها بدون تحفظ منهج الجسم الرئيس في الحركة الكردية ( التحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا.)
وبهذا يمكن أن يكون قد رد إليه الاعتبار بعض الشيء .
والآن وبعد مضي السنوات الطويلة والتي ظهرت فيها الكثير من الحقائق ، ويثبت صواب الرأي لديه يستوجب على الغيار من أبناء الشعب الكردي لا بل من كل السوريين الديمقراطيين تكريم الرجل بما يستحق من إقامة مثل هذه الندوات ، والعزاء كل العزاء في أن ينكب الدارسون والباحثون في كشف أفكاره وآرائه في مجالات الأدب والفكر والسياسة وهذا حق واجب . انحني إجلالاً لذكرى هذا الرجل العظيم وعزاء الأمة في المخلصين من أبنائها في النضال من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية ومن أجل سوريا ديمقراطية تعددية تحتضن بحب كل ألوان الطيف السوري الجميل.
شكراً لإصغائكم و لكم كل الاحترام والتقدير.
محمد جزاع ( أبو بوشكين)
كلمة جريدة نوروز التي تصدر باللغة الكردية ألقاها الأستاذ ممي آلان
Bila ev boneya bibe boneya
Wergirtina kelk û sûdan
Rêz û silav ji komîta birêvebirina munteda Çandeyî ya Nûredîn Zaza re …….
Rêz û silav ji beşdarên vê şevê re ……
Ciwantirîn rêz û silav ji giyana nemir Nûredîn Zaza re ………
Li ber roniya vexwendina vê komîtê , ev cara diweme em têne şam û mirina lawê Kurd yê bi nav û deng N.Z bi bîra xwe tînin . Di cara yekem de , me N.Z wek zimanhezekî bi beşdaran da nasîn , herweha me Rojnama Newrozê di ber çavan re bir û anî û rola wê di dermafê fêrkirina bi dehan xelekên alfabê û rêzimên ji keç û lawên Kurd re , me da xuyanîkirin . Wêlomê jî me ji birêz Zaza re got , di gora xwe de vehesî be , law û keçên Kurd şopên yên weke te bernadin .
Di vê boneya bîranînî ya diwem de jî , dixwazin ji xwe re bikim keys , kelk û sûde ji gotina Celadet ya dîrokî werbigirin.
“ Yekîtiya gel bi yekîtiya zimên e , yekîtiya zimên jî bi yekîtiya tîpan e . “
Li ber roniya gotina jorîn em dixwazin nêrînek zimanewî bi ziman û gelê me gerek bidin xuyanîkirin .
Wekee em dizanin , bêparbûna netewa Kurd ji sedan salan ve , ji avakirina dewletek yekbûyî , bû sersedema diyarbûna gelek zarav , tore û alfebeyan di zimanê Kurdî de . Ev pirbûna zaravan bi xwe jî di roja îro de , sermiyanekî başe ji pêşeketin , vejîn û dewlemendkirina zimanê me re .
Ji zaravên Kurdî hin hene yên peyvandin û azaftinê ne , mîna Kurmanckî , Dumilî , Zazakî , Hewram , Gorî û Lorî . Ev zarav kevinin û di dîrokê de tamar berdane . Vêca bikaranîna wan pêwîste , ji bo geşkirina zimên .
Lê , li kêlekê di cîhana tore û rojnamegeriyê de , herdu zarav Soranî û Kurmancî bi kar tên û li çar perçe Kurdistanê têne têghîştin .
- Li aliyekî dî , berê nivîsandina Kurdî bi sê alfabeyan bi kar dihat ( Latînî – Erebî – Kirlî ) , ta ku , Kurdên Sovyêta berê dev ji alfabeya kirlî berdan û li şûnê alfebeya Latînî bi kar anîn û kend û girêk li pêş yekbûna zimên kêmkirin .
Em dizanin ku , bikaranîna alfabeya Erebî , li başûr û rojhilatî Kurdistanê ye . Û alfabeya Latînî jî li bakur û başûrî rojavayî Kurdistanê , Ewropa û li Sovyêta berê bi kar tê.
Ji berê paşê vê , zimanzan û zimanhezên Kurd yên mîna Nûredîn Zaza daxwaza yekîtiya bikaranîna alfabeyekê dikirin .Ji ber ku , yekîtiya zimên di wê de didîtin û herweha yekîtiya gelê Kurd jî xurt dibû . Lê, berê piraniya wan ji ber van sedeman ber ve alfabeya Latînî ya Celadet Bedirxwan bû .
1-Alfabeya tewrî di cîhanê de bi kar tê, alfebeya Latînî ye .
2-Alfabeya Latînî , Alfabeya Kompiyoter û entirnêtê ye jî .
3-Fonatîka devkî ya zimanê Kurdî bêtir bi riya alfabeya Latînî zelaltir dibe û cî têde digire .
4-Piraniya xelkê me yê Kurd , ta hin girop ji Kurdên başûr jî vê daxwazê dikin .
5-Ji paşeroja gel û zimanê Kurdî re jî weha baştire , ji ber ku , bi wê ziman û gel wê were parastin û li gor demê be .
Piştî azadbûna beşê başûr , herçû ev daxwaz û hêviya jor bi hêztir û bilintir bû . Lê mixabin biryara perlemana Kurdistana başûr ji bo bikaranîna alfabeya erebî wek alfabeyeke fermî di hemî dezgehên hikomet û civaka xwe de , ew hêvî qelskirin û bêhêvîtiyek peydakir .
Vêca em pêşinyar dikin ku , bi navê vê şevê ji serokê navçeya Kurdistanê ( Kak Mesûd ) ,Hikometa Kurdisatanê û Parlemanê re bangek bi rê be . Têde ev daxwaz diyar bibe û bi kêmanî alfabeya Latînî ( alfabeya Celadet , Nûredîn û piraniya gelê Kurd ) netê qedexekirin .
Bijî gelê Kurd
Ramana Nûredîn Zaza namire
Sipas ji komîta rêvebiriya xelata N.Z
Sipas ji we û guhdariya we re
-------------------------------------------------------
كلمة حزب الوفاق الديمقراطي الكردي السوري
جاء فيها: " إن تخليد ذكرى شخصية بارزة مثل الدكتور نور الدين زازا يعتبر خطوة ثقافية وسياسية ذات أهمية كبيرة لا سيّما بعد مرور ثمانية عشر عاماً على رحيله حيث شهدت هذه الفترة تغيرات وتطورات سياسية وفكرية كبيرة على الساحتين الكردية والدولية ولعل الدور الذي لعبه الدكتور زازا خلال فترة نضاله كان بداية كثير من الإنجازات فيما بعد وحتى بعد رحيله وخاصة على مستوى الأحزاب الكردية، إننا وببالغ السعادة وإذ نشكر مجلة دجلة على اهتمامها بذكرى الدكتور زازا ورعاية هذا الملتقى فإننا في الوفاق الديمقراطي الكردي السوري وباسم جميع العاملين في جريدتي الوفاق وبربانك نشكر جميع المشاركين في هذه المناسبة ونرحب بجميع الضيوف ونأمل أن نلتقي دوماً على تخليد ذكريات الشخصيات الكردية المناضلة في سبيل أهدافها وقضيتها النبيلة.
-------------------------------------------------------------
دفاعاً عن المثقف
هفال نيو
" يدافع عن الحقيقة بكلمة الحكمة ، لا بالسيف والصولجان "
- أوفيوس-
في الانتصارات يتم تتويج رؤوس القُوّاد بأكاليل الغار، ويُكافأ الجنود بالأوسمة والنياشين والغنائم ، وعند الهزائم يُصلب الحكماء ، ويُعدم المثقفون.
هكذا كانت الحال دائماً ، مع أننا نعلم جميعاً أن الحضارة الصينية بدأت بالانحسار عندما أضطر المعلم "لاو" إلى الفرار إلى الغابة ، وأن شمس الحضارة اليونانية بدأت بالأفول عندما أُجبر سقراط الحكيم على تجرع الـ" تسيكوتا " ، وأن الحضارة العربية الإسلامية بدأت بالتقهقر ليلة صلب الحلاج ، ويوم أحرقت كتب ابن رشد.
كما ونعلم جميعاً أن قطع رأس " دانتون " بالمقصلة كان فاتحة فشل الثورة الفرنسية ، وأن انهيار الاتحاد السوفيتي بدأ عام /1924/ عندما أنطلقت حملة " صيد الذئاب " بعبارة المغني الروسي المتمرد فلاديمير فيسوتسكي.
واليوم كذلك ، حيث نرى العسكر يحكمون ، ويتم قتل واعتقال ونفي المثقفين ، في هذه البلاد ، لا بد أن ندرك حجم الهزيمة.
والحكاية الكردية لم تخرق هذه القاعدة عبر تاريخها ، وحتى اليوم ، ففي عام 1961 ، في سجن المزة العسكري ، كذلك أنتصر المحارب ، وهُزم المثقف ، ورغم ذلك ما زالت أعباء الهزائم تلقى على كاهل المثقف ، ويُنسب كل انتصار ، مهما كان ضئيلاً ، للمحارب.
" كانت مشكلة الدكتور نور الدين زازا – يقول أحد رفاقه القدامى – هي أنه كان مثقفاً أكثر من اللازم "
أجل ، هذه مشكلة حقاً ! فالثقافة تُفسد العقول لأنها تجعل الإنسان يعرف أكثر من اللازم ، ويرى أعمق من اللازم. وهذا يُخرجه عن إجماع الأمة ، ليغدو فرداً : أي ملعوناً .
" كان يفلسف كل شيء– يقول هذا الرفيق نفسه ، فأنّى للجمهور أن يخفف من ضجيجه لينصت إلى أقوال الفيلسوف ، فالجمهور لا يكون جمهوراً إن لم يكن غاضباً وعنيفاً ، ويحتاج ، وبالتالي ، إلى قضية وعقيدة ونشيد وشعار وزعيم و.... عدو ، لتغدو حكمة الحكيم وثقافة المثقف جبناً وخيانة.
في قصته " فارسان" يتحدث الروائي الروسي الأشهر " ليف تولستوي " عن فارسين ، تتجلى في الأول كل بريق مظاهر الشجاعة المتهورة التي يعشقها الجمهور ويمجدها ، بينما شجاعة الفارس الثاني حقيقية ، كامنة وهادئة ، هي جوهر الشجاعة.
وفي سجن المزة العسكري ، عام 1961 ، ظهر هذان الشكلان من الشجاعة ، وذلك عندما انهال الجلادون بالسياط على المعتقلين لحظة وصولهم ،وبعد انتهاء حفلة الترحيب الدموية هذه اقترب الدكتور زازا من الضابط المسؤول، وقال له :( هل نحن أعداء لتفعلوا بنا هذا.؟)، وكان ردّ الضابط صفعة آثمة .
هذا هو الفرق بين شجاعة المثقف و " شجاعة" العسكري .
حتى في ذلك الوقت لم يكن الدكتور زازا يضع العرب في خانة " العدو " بينما نرى اليوم أنّ وجود الآخر – العدو مكوِّن ضروري في بنيان الهوبة الهوية القومية لدى معظم ، بل كل ، شعوب المنطقة .
كان الدكتور زازا يعلم أن ثقافة جماعة إثنية ما ، وقدرة هذه الثقافة على الإنفتاح على ، والتشارك مع ، ثقافات الشعوب الأخرى ، هي التي تحدد هوية هذه الجماعة ، لذا نراه في مستهل مؤلفه" Meme Alan " يقول : " تعلموا لغتكم وعلموها للآخرين" . ويقول أيضاً : " آمل كثيراً أن يتم تدريس وشرح هذه الملحمة وغيرها في المدارس والجامعات في المستقبل . وفي الحقيقة ، إن عمله على هذه الملحمة ، على الرغم مما شابه من هنّات هنا وهناك ، يشير على باحث حقيقي جدير بالاحترام والتقدير.
أما العيب الثالث للدكتور زازا ،أو لنسمه " التهمة الثالثة " التي كيلت له من قبل رفاقه ، فهي أنه" لم يكن ينفع للعمل في السياسة " ، وهذه كلمة حق ، لأننا لن نجد مثقفاً حقيقياً واحداً ينفع للعمل في سياسة العسكرتريا والانقلابات والأنظمة الشمولية والعقائد المطلقة ، وهي السياسة السائدة في منطقتنا منذ خمسينات القرن المنصرم حتى اليوم ، فمجال عمل المثقف هي المعرفة المفتوحة أبداً ، لا العقيدة المنغلقة على مطلقيتها، وعمله هو التنوير ، لا السجود لأيقونة الزعيم.
عندما زار الدكتور زازا منطقة الجزيرة لأول مرة ، في الستينات ، التقى ببعض من البائعين الجوالين ، من قواعد الحزب في مدينة القامشلي ، ورأى مدى فقرهم وأميتهم وتخلفهم ، فقال لرفاقه في القيادة :
" أبهؤلاء سوف نناضل؟ " ، فرد عليه عبد الله ملا علي ساخراً : " هؤلاء رفاق المدينة . أنت لم تر رفاقنا في القرى بعد".
أعتقد أن تلك الزيارة هي التي غيرت المنظور السياسي للدكتور زازا ، لا تجربة السجن كما يقول بعضهم ، فقد أدرك آنذاك مدى بؤس المجتمع الكردي ، وحاجة هذا المجتمع إلى تطوير بناه التحتية ، أي التنمية الاجتماعية – الاقتصادية – الثقافية بلغة اليوم ، ونحن نعرف الآن أنه كان محقاً لذا ، إذ نحيي ذكراه اليوم ، أحب أن أسجل هذه الورقة في محكمة التاريخ دفاعاً عن المثقف ، باعتباره دفاعاً عن المعرفة في مواجهة الجهل ، وعن الفرد ضد أيديولوجيا الجمهور ، وعن الحرية الفكرية ضد الالتزام العقائدي ، وعن الحداثة ضد التقليد ، وعن دعوى السلام والتعايش السلمي في مواجهة طبول الحرب ونعيق الغربان . وهي أخيراً ، تعد دفاعاً عن أرستقراطية المعرفة ضد عمومية مبتذلة سّميت زوراً بـ "ديمقراطية " التعليم.
-----------------------------------------------------------------
كلمة الكاتب الكردي جان بابير
ما تبقى منك هو أنا وما بقي مني هو أنا لأنه أنت
" أنصب كميناً لجهاتك ِ .. أحاصر جهاتي أيتها اللغة سيدة الكون"
رسالة اعتذار من اللغة،
قد أكون من الذين ارتكبوا صدى الإثم في جسد الكتابة ، أنا المزدحم المعلق . بأقدامي نحو أسفل الهزيمة ، أطوي اللهاث لهاثاً آخر ، ثمة رذاذ إنسان، وثمة فصول يتعكز عليها الراوي ، واحتمالات قائمة على قيامة نبوءة النفس وإلى نفي النفي في الذبح متدثراً بسرير انتمائه ... ويشتعل المشهد من حبر وورق ، في الصفعة الأولى إلى منحدر العظم تحت الجلد الناعم ، هكذا ينشب الأظافر وحيداً في وجه الجهات..
ألا تقدم لنا هذه اللغة المعرفة كهدية طفل في عيد الميلاد بين التعرّج ومزج حروفها وأذيالها الدافئة كالنبيذ وبها ينتفخ بطن الفراغ بالفراغ ويولد جنين الفراغ من اللهاث الآخر خلف ضوء الحبر لحظة ... لحظة ما ما لا أعرفها تتعمق في المعاني حينما اكتشف تصدعها وأين من أين في تلك اللحظة يكمن العجز فينا أم في رنين موسيقى الحرف ... ولكل رشقة هي أسطر مضغ علة مروج الذهن ، تملئ الفراغ بالشفاء ، وتحشد لشط آخر على الترتيب الهندسي و نقل دمار وخراب على دمار من معتقلات القلب .. هي اقتران لغة الأصابع مع معنى الحرف في نغمة الحواس وإيجاد أ كبر لمبرر أكبر ولصورة كبرى ... وزرع تجاعيد الغوص بمحراث الحقيقة على جبهة الورقة لأن الحبر وحده يخون لونه وليستبدله بالأبيض وحده من لحم الملكية الخاصة من روح المشاعية الخاصة من المشاع المشاع وبها تتحد أبعادك في بعدي فتصبح بعداً ثالثاً واحداً لا يهم ....نحفظ بها أنفاسنا المتهالكة بمفاجآت الصمت أحياناً ولونين معدني مطلي بمفاجئات الصوت أحياناً أخرى ....وتسمى بها أسماءاً أخرى .
التقلص ، هو فقر المسافة والمسافة أنفاس لانهائية على التمدد.
وحركة الدم هو اللهاث القصّي للجسد والجسد هو فضيحة الثوب والثوب خداع يمارس الانتماء في شهية خاصرة نفس النزف وقد يكون الانتصار في الهزيمة ....ونفوز بالخسارة في الربح ونلفظ الوقت أكثر من أوقاتنا ... ويبقى لحم المبادئ منتصباً بنعيقه ويحدث الحمّى.
الراوي يحمل مخضته على ظهره والراوي ميت ويسير.. أنا الراوي ... لا راوي إنها كذبة من نعناع متهدم .. من على شرفة الاستنشاق ،
14/10 عام أبرهة الحبشي " الأشرم"
خارج الزمن داخل المهزلة
جان بابير
---------------------------------------------------------------
برقية من الشاعر الكردي فرهاد عجمو
الأخوة الأعزاء في منتدى الدكتور نورالدين زازا المحترمون
تحية واحتراماً:
ببالغ الشكر والتقدير تلقيت دعوتكم لحضور مناسبة الذكرى الثامنة عشر لوفاة الشخصية الكردية السياسية والثقافية البارزة الدكتور نورالدين زازا
نثمن جهودكم و نتمنى لكم كل التوفيق والنجاح في مهمتكم النبيلة آملين لكم دوام التقدم.
انحني بإجلال لهذه الذكرى ..ولطيب الذكر الدكتور نورالدين زازا الخالد
القامشلي في 14/10/2006
فرهاد عجمو
----------------------------------------------------