القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 512 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: هل الكوردي حجل خائن؟.. هل الحجل طائر خائن أساساً؟ (2)

 
الأحد 01 تشرين الثاني 2020


د. ولات ح محمد

الكوردي لم يبالغ فقط في إلصاق صفة الخائن بذاته السياسية (كما بينا في القسم (1) من هذا المقال)، بل أصر على إشراك طائر الحجل معه في تلك الصفة، إذ لم يتوقف (حتى الكاتب والمثقف) عن ترديد عبارته الأثيرة "الكوردي حجل خائن" التي تعني ضمناً أن الخيانة صفة ثابتة أصيلة في الحجل وأنها ـ بحكم المعاشرة ـ صارت صفة مكتسبة لدى الكوردي. أما الذين يَسِمون طبع الحجل بالخيانة فيستندون إلى واقعة افتراضية تقول إن طائر الحجل عندما يقع في شبكة الصياد، أو عندما يربطه الصياد في مكان ما بقصد استدراج زملائه من الطيور، فإنه (طائر الحجل) يصدر أصواتاً ينادي بها أقرانه الموجودين في المنطقة، فإذا لبت تلك الطيور نداءه وجاءت إلى المكان وقعت في فخ الصياد. 



يفسر بعض الكورد سلوك الحجل هذا بأنه خيانة، لأنه ـ برأيهم ـ يدعو بني قومه للإيقاع بهم في ذلك الفخ. فهل حقاً هذا ما يفعله؟. للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعرف أولاً سبب إطلاقه تلك الأصوات التي تستدرج رفاقه إلى الفخ، لأن معرفة السبب ستقرر ما إذا كان فعله خيانة أو لا. عموماً ثمة ثلاثة تفسيرات لسلوك طائر الحجل هذا، سنقوم بمناقشتها كلاً على حدة لنختبر مدى مطابقتها للواقع.
    الرأي الأول يقول إن طائر الحجل المربوط يصدر تلك الأصوات ليدعو رفاقه إلى تناول الطعام الذي يضعه الصياد بين الشبكة وحولها، وإنهم عند وصولهم إلى مكان الصوت يقعون في الفخ الذي أعده الصياد لهم مسبقاً. إذا افترضنا صحة هذا الرأي، فإن دعوة الطائر المربوط أصدقاءه لتناول الطعام دليل على أن الحجل ليس أنانياً ولا يريد أن يأكل الطعام وحده، وأنه يفعل ذلك دائماً. وهذا خُلُق حسن وليس سيئاً. أما إذا وقع رفاقه في الفخ نتيجة هذه الدعوة فذلك ليس ذنبه لأنه لم يقصد ذلك. أضف إلى هذا أن مثل هذا الرأي يتناسى حقيقة علمية ثابتة في طبع الحجل وهي أنه يتصف بحاسة شم قوية يستدل بها على مكان وجود الطعام، ولا يحتاج إلى أن يدعوه طائر رفيق إلى وليمة في مكان ما. ولذلك يبدو هذا الرأي ضعيفاً لأنه (إن صحَّ) يدل على طبع حسن في الحجل من جهة، ويتناقض مع طبيعته من جهة ثانية.
    التفسير الثاني يرى أن الطائر الأسير لدى الصياد يريد من خلال تلك الأصوات أن يوهم بني قومه بأن طائراً غريباً قد حط في ديارهم، فيهب القوم إلى مصدر الصوت لطرد الغريب، وعندما يصلون يقعون في الفخ. إذا صحَّ هذا التفسير فإنه يشير إلى حب طيور الحجل لأرضها وغيرتها على موطنها واستعدادها دائماً للدفاع عنه وطرد الغرباء منه. وهي صفة حميدة ما بعدها صفة. فلماذا يتشبه الكورد بسلوك طائر حجل وحيد (إذا صح هذا التفسير) ولا يتشبهون بسلوك مجموعة طيور الحجل ذات النخوة التي تهب للدفاع عن منطقتها وطرد الغرباء منها، وكلها حجل؟.
    التفسير الثالث يرى من جهته أن الطائر الأسير ـ من خلال ندائه ذاك ـ يريد أن يبين لبني قومه أنه واقع في الأسر وأنه يستنجد بهم ليفكوا أسره، وعند وصولهم إلى حيث هو مربوط يقعون في الفخ. شخصياً أرجح هذا الرأي لأن الطائر مع إصدار الأصوات (حسب الفيديوهات المنشورة) لا يثبت في مكانه، بل يحاول الفكاك من الخيط الرابط والهروب. وهذا دليل على أن غايته من النداء هو الخلاص، وليس توريط بني قومه. إذا صح هذا الاحتمال فإن طلب النجدة أمر طبيعي غريزي موجود حتى عند البشر؛ فعندما يقع المرء في حفرة ـ مثلاً ـ أو في ماء فإنه ينادي بأعلى صوته أملاً في أن يأتي من يوجدون في المكان لإنقاذه، وليس رغبة منه في الإيقاع بهم في الحفرة أو في الماء. فإذا فعل طائر الحجل هذا، فهل فيه خيانة؟؟.
    لتقريب الفكرة أكثر دعونا نضع هذه الفرضية البسيطة: الطائر الذي كان يصدر الأصوات وينادي رفاقه قام الصياد بفك رجله وتحريره ولكنه ما زال في المكان. الآن هل سيبقى يطلق ذات الأصوات؟. الجواب: لا. إذاً، هو ينادي لأنه (فقط) مربوط عالق ويطلب النجدة. في المقابل دعونا نفترض أن طائر الحجل قد علِق ذاتياً (ولم يربطه الصياد) بخيطٍ ما في مكان ما وعجز عن تخليص نفسه من العلقة، هل سيصدر ذات الأصوات طلباً للنجدة من أقرانه؟ الجواب: نعم. وهل سيأتي رفاقه؟ نعم. وهل سيقعون في الفخ عندما يأتون لإنقاذه؟ الجواب: لا. لأنه لا يوجد فخ أساساً. وهذا يعني أن الطائر المربوط أو العالق يصدر بشكل طبيعي غريزي ذلك الصوت طلباً للنجدة، وليس لإيقاع قومه في فخ الصياد، فأين الخيانة في هذا؟؟. 
    إن من يراقب (من خلال الفيديوهات المنشورة) حركة طيور الحجل التي تأتي إلى الطائر الأسير المربوط سيكتشف أنها لا تأتي إليه وتحط عنده مباشرة، بل تحط على مسافة منه ثم تتقدم نحوه بحذر شديد جداً (الحجل طائر حذر بطبعه) وكأنها تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين، ربما لأنها تتحسب ـ بخبرتها وغريزتها ـ من أن يكون في الأمر فخ لها. وعلى الرغم من ذلك تتقدم نحو رفيقها الأسير. وهذا يعني أن لدى هؤلاء الرفاق دافعاً قوياً يدفعهم إلى خوض تلك المغامرة؛ ذلك الدافع القوي هو إما طرد الطائر الغريب من موطنهم أو إنقاذ ابن قومهم المأزوم. وفي كلا الاحتمالين لا توجد خيانة، بل وفاء وغيرة ووطنية، فمن أين جاؤوا بمسألة الخيانة؟!!. إذا كانت النتيجة هي وقوع الطيور في الفخ فذلك من تدبير الصياد وليس من خيانة الطائر الأسير مسلوب الإرادة. وإذا أصر أصحاب هذا الرأي على تخوين الطائر الأسير فذلك يعني أنهم يقيسون على سلوك فرد مسلوب الإرادة، ولا يقيسون على أطباع  مجموعة تذهب للدفاع عن أرضها أو إنقاذ صديقها، وكلهم حجل.
    إذاً، بدلاً من الحديث عن صفة الخيانة ينبغي الحديث عن صفة الوفاء والإخلاص واللاأنانية والتضحية وحب الأرض والموطن في طبع قوم الحجل الذين يهبون لنجدة رفيقهم الأسير أو لتناول الطعام معه أو لطرد الغريب عن موطنهم. أما الصياد فيقوم باستغلال تلك الطباع والأخلاق الطيبة عند طيور الحجل للإيقاع بها؛ فالصياد وهو يربط طائر الحجل (الطُعم) يعلم بخبرته أنه سيستنجد غريزياً بأبناء قومه وأن قومه الأوفياء سيأتون لنجدته فيقعون في الفخ. بناء على ذلك يكون حتى الطائر الأسير (بصفته الفردية) أيضاً بريئاً من فعل الخيانة لأنه يقوم بفعل استنجاد طبيعي. أضف إلى ذلك أن طائر الحجل الذي يصدر الأصوات مربوط (أسير) مسلوب الإرادة، ولم يذهب إلى الصياد ليعرض عليه خدماته (الخيانوية) بغية جر بني قومه إلى الفخ كما يفعل الخائن، بل هو نفسه ضحية قبل غيره استغل الصياد صفات قومه الحميدة  للإيقاع بهم كما سلف القول. 
    هل الحجل طائر خاص بالجغرافيا الكوردية وذو طابع جغرافي كوردي؟. بالطبع لا؛ فهو ينتشر في أصقاع كثيرة من العالم غير جبال كوردستان، ومع ذلك لا أحد من الأقوام التي تعاشر الحجل يلصق به صفة الخيانة. ولو كانت تلك صفة موجودة في طائر الحجل وحقيقية لتحدثت عنها أقوام أخرى ممن يعرفون الحجل عن قرب وربما أكثر من الكورد أنفسهم، ولربطوا أيضاً بين خياناتهم وخيانة حجولهم. لذلك لا بد من طرح مثل هذا السؤال: لماذا يربط الكوردي وحده (دون الأقوام الأخرى) بين الخيانة وطائر الحجل؟ لماذا يشبّه الكوردي وحده خائن قومه بالحجل؟ لماذا لا يشبّه الآخرون خونتهم بالحجل؟، فإذا كان الحجل خائناً كما ـ يقول الكورد ـ فيجب أن يكون خائناً في كل أماكن تواجده. وما دام ذلك لم يرد عن قوم آخرين فإننا أمام أحد احتمالين: إما أن حجل كوردستان وحده يخون قومه وأن حجول الآخرين شرفاء وأوفياء، وإما أن الآخرين لا يخونون مطلقاً، ولذلك لا يتشبهون بحجولهم الخونة!!!. 
    إن طائر الحجل عندما يجد نفسه عالقاً عاجزاً عن تخليص نفسه يصدر أصواتاً ليعرف قومه مكانه ويأتوا لإنقاذه وليس للإيقاع بهم. ولأن من طبع الحجل الوفاء والغيرة فإنهم يسارعون لإنقاذ رفيقهم المأزوم. وإذا كان حبسه من تدبير الصياد فإنهم سيقعون في الفخ. ذلك هو ملخص الحكاية. ولو كانت الخيانة حقاً من طبع الحجل لتحدثت عنها أقوام أخرى. إنها حكاية خاصة بالكورد، ألفوها ورددوها حتى صارت لديهم حقيقة راسخة، فارتاحوا لها واطمأنوا أن ما يحصل بينهم من خيانات (وهي موجودة عند كل البشر) هو طبع فيهم تعلموه من عشيرهم الحجل ولا علاج له، لأنه طبع. هذا، ولو أنهم غيروا ما بأنفسهم لوجدوا في الحجل طائراً وفيّاً ومخلصاً وشجاعاً ومحباً لأرضه وقومه... فعذراً أيها الحجل الجميل.
    

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات