القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام - الجزء التاسع

 
الخميس 03 ايلول 2020

 
 د. محمود عباس

  لم يتم الحديث عن الفن في زمن الوحي، ولم يأت على ذكره النص، وما ورد عن الرسول الكريم فمعظم الفقهاء يضعفونها على أنها أحاديث موضوعه، وكما نعلم أن تداولها كانت محظورة إلى بعد وفاة الخليفة عمر بن الخطاب، فالصحيحين محل شك عند العديد من الفقهاء. وما يخص الطرب الوارد على  لسان عائشة رضي الله عنها؛ أي الغناء والآلات الموسيقية، تناوله الفقهاء بعدة أوجه، فهي تقول (دخل عليَّ النبي ﷺ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر -رضي الله عنه- فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند النبي ﷺ، فأقبل عليه رسول الله، فقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا وفي رواية لمسلم فقال رسول الله: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا) أما ما تم تأويله وشرح الآيات، المقالة أن المقصود فيه الغناء، مشكوكة فيها، وتفسيراتهم وضعية حسب المكان والزمان والسلطة، فجميعهم فقهاء بعد الوحي وبعد الخلافة الراشدية، ولم يتم تفسير تلك الآيات في زمن الرسول ولا في عهد الراشدين، إلا بعد تطور الغناء والآلات الموسيقية في الوسط العربي، أو سمعوا الغناء من الشعوب التي دخلت الإسلام.


  ويقال إن أوائل المفسرين هو عبد الله بن مسعود، أي بعد الخلافة الراشدية وعند سماعه الغناء والموسيقى، والتقول مطعون فيه، فلم يظهر التفسير عنه إلا بعد أكثر من نصف قرن من الوحي، وبعده بقرن تقريبا جاء تفسير الحافظ بن كثير، وأبن جرير، وغيرهم وجلهم يبنون على آيات ثلاث، أهمها الآية السادسة من سورة لقمان (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ). ونحمد الله على عدم قدرة هؤلاء المفسرين السلفيين التكفيريين التحكم في السلطات العربية الإسلامية ومن ثم بالفنون وإلا لكانت الشعوب الإسلامية تعيش اليوم في ظلمات الفن وخسروا أحد أهم ملذات الحضارات الإنسانية. وجل الحديث تثبت أنه لم يكن للقبائل العربية فن بالمفهوم الدارج حتى في مرحلة سقوط الإمبراطورية الساسانية، وما ظهر على الساحة بعد قيام السلطة العربية الإسلامية هو سيطرة على فن الحضارة الساسانية، والتي كانت على مسافات زمنية من الرقي، تمكنت السلطات اللاحقة ألقاء الغطاء العربي عليه، وعرضه مؤرخوهم على أنه الفن العربي، ملغيين الماضي ومأثر شعوب تلك الحضارة وفي مقدمتهم الشعب الكوردي.
 فما قدم من الدعم لموروثهما، الأدب والفن، في عهد السلطات التي تأثرت بثقافة الحضارات المدمرة، ساهمت وسهلت في تطويرهما، فالأدب العربي توسع وتشعب على ركيزة تمجيد الرسول الكريم للشعر، وفيما بعد دعم الخلافة العباسية للنسخ وترجمة أدب وفلسفة تلك الحضارات. وأنتشر فن الغناء والآلات الموسيقية في فترة قصيرة مقارنة بالأدب، بمساعدة ومساهمة مخلفات الحضارة الساسانية، كالكورد، وفيما بعد الأمازيغية، والبيزنطية كالقبط والأراميين. وهنا يمكن القول إنه الفن العربي الجاري ومن بينه الغناء والآلات الموسيقية هي خارجية طغت عليها اللغة العربية، فالنغم والحس المتكون وعلى مدى القرون الطويلة الماضية غرزت في ذاكرة الأجيال، وهي ذاتها المتداولة في تركيا الأن، وجمعينا نسمع موسيقى وغناء شعوب شرق أسيا، والتي منهم قبائل أغور التركية، أي القريبة من الصينية والمنغولية، ولكن ما يتم من الغناء والموسيقى والأدب في تركيا على أنه تركي لا علاقة له بهم، بل أنه فن وأدب مسروق، ورغم أنهما ثقافة عالمية أممية، لكن حصرها في ذات معينة وإزالة الماضي وتحريف التاريخ، هو ما نحن بصدده، واليوم جميعنا نستمتع بما قدمه شعوب المنطقة كل من طرفه، لكن السلطات الحاكمة بمنهجيتها العنصرية خلقت حقدا من وراء الفصل والعزل وإلغاء الأخر، ليس فقط سياسيا بل وثقافيا. 
  فبعد قرابة قرنين من الوحي، واندثار الآثار الأدبية والفنية للحضارة الساسانية، أي من بداية ظهور أول غناء عربي، برز الموسيقار الكوردي (زرياب) ليكتب إبداعاته باللغة الكوردية، أي اللغة الفهلوية الساسانية والحروف العربية، وجلها كانت في مجال الفن، ويعتبر هذا المبدع ظاهرة فيما بين طمس اللغة الكوردية كلغة الثقافة وحلول العربية مكانها، مع استمرارية المواجهة كلغة الشارع الكوردي والعائلة ونقل الثقافة بين الأجيال شفهيا، فرغم ترجمة نوتاته إلى اللغات العالمية ظلت محافظة على لفظها الكوردي، رغم أنها مكتوبة بالعربية.
  فزرياب أبعد من أن يكون فارسيا من حيث الجغرافية القادمة منها، كما ومعظم الكتاب بنفونها، ومثلها فهو أبعد من أن يكون عربي النسبة والمنشأ، ولو كان كذلك لما أحتفل بعيد نوروز حتى عندما كان في الأندلس وعلى سوية مهرجان عام. يقول في هذا الدكتور هاني أبو الرب في كتابه (زرياب وأثره في الحياة الاجتماعية والفنية في الأندلس) ص (280) مستندا فيه على كتب: أبن عبد ربه، والأصفهاني والمقري، فيقول " أجرى الأمير عبد الرحمن على زرياب وأولاده الأربعة الذين دخلوا معه الأندلس رواتب شهرية، فجعل لزرياب مائتي دينار شهريا، ولكل واحد من أبنائه عشرين ديناراً في الشهر، إضافة إلى ثلاثة آلاف دينار سنويا لمصروفات الأعياد والمناسبات ( لكل عيد ألف دينار، ولكل مهرجان ونوروز خمسمائة دينار) " للمزيد عن أصل زرياب الكوردي ونوتاته باللغة الكوردية، يمكن مراجعة كتاب المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) (شمس الإسلام تسطع على الغرب) الصفحة (488) ودراسة عبد الله جمال (عناصر الأغاني الفلكلورية الكوردية في العراق) المستند على المستشرق الفرنسي (توما بوا)، وفي كتاب ( آلات الموسيقى الكوردية، لـ لوريا أحمد) المنشور في إقليم جنوب كوردستان عام 1989م. وما أورده مهيمن إبراهيم الجزراوي في كتابه (زرياب منجزاته وأبرز مبتكراته الموسيقية) والأهم من كل هذا لغة النوتات والسلم الموسيقي المستخدم، والذي يعد خير دليل على أن لغته الأم كانت الكوردية، مثلما هي مكان ولادته.
وبغض النظر عن تلكؤ وتلاعب البعض حول أصله ومنشأه، فقد كتب الكثير في الموسيقى، ونوتاته وسلمه وغيره باللفظ الكوردي، وهو ما تم نقله من الذين كتبوا عنه وفي إبداعاته كتاب من عصره: كأسلم بن أحمد، "تأليف في طرائف غناء زرياب وأخباره" وفيما بعد بقرون كتب فيه المقري، في كتابه النفح الطيب الجزء الثالث، مستندا على ما كتب عنه في السابق، وكتب فيه أبن خلدون، وما جمعه أخ زوج أبنته حمدونة، أسلم بن عبدالعزيز من أغانيه في (كتاب معروف في أغاني زرياب) وغيرهم كثر. 
إلى جانب ما قدمه في المجال الفني باللغة الكوردية، خلفيته الحضارية المستقاة من حياته الاجتماعية الأولى وواقعه الثقافي المعيشي الكوردي؛ القادم من مخلفات ثقافة الحضارة الساسانية، والتي كان لها تأثيرها الواسع على الحياة الاجتماعية في الأندلس، وتبرز واضحة من خلال تعليمه الطبقة الحاكمة الذوق الاجتماعي وآداب المجالسة واللباقة الدبلوماسية في التعامل، إلى أن جعله علما يدرس في الأندلس ويشهد له كل من عاصروه، وتعليمهم أنواع وآداب الجلوس، واستخدام السكاكين والشوك والملاعق وحسن ترتيب الطعام وأنواعها على طاولة الأكل، التي استقاها من الواقع المعيشي الزراعي الحضاري للشعب الكوردي، وتطوير نوعية الألبسة الملائمة للشتاء، والتي لا يمكن أن تكون إلا من طبيعة الجو البارد في جبال كوردستان، وغيرها من الإبداعات التي خلفتها الثقافة الساسانية الكوردية، والتي درجت في التاريخ كإبداعات حضارية للمجتمع العربي في الأندلس والذي كان في حقيقته المجتمع الأمازيغي يتحدث العربية.
 وهكذا غطيت على المظاهر الحضارية للشعبين، ظاهرة السلطة العربية تحت غطاء الإسلام، وخير مثال على هذا التحريف، وطمس مصادرها الأصلية، ما روج على أن الكلمات الأوروبية المتعلقة بالموسيقى والمأخوذة من زرياب، على أنها عربية، وفي الحقيقة هي كلمات كوردية واضحة تستخدم حتى اليوم في الأحاديث الدارجة، ككلمة (دوربا دور) و (ته راستي) فيقول د. هاني أبو الرب، في كتابه المنوه إليه سابقا، وفي فصل (أثره في الحياة الفنية) " ومن الأدلة القاطعة على انتشار الموسيقى العربية في أوروبا في الفترة ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين بقاء بعض الكلمات العربية المتعلقة بالموسيقى في اللغات الأوروبية الحديثة مثل (تروبا دور) المأخوذة من كلمة (طرب ودور) الأندلسية، وكلمة (تراستي) المأخوذة من كلمة دستان العربية" والملاحظ هنا الاختلاف الغريب بين ما يريد الكاتب تنسيبه إلى العربية، وأصولها الكوردية الواضحة، مثل عملية تغيير النوتات من اللغة الكوردية، إلى العربية، والتي كانت كالتالي ( اليك، والدوكه... وهشتان، ونوه، وكيرد) . 
 للمزيد من تعاليمه وتأثيره على الحياة الاجتماعية وآداب التعامل الدبلوماسي، وغيرها من المجالات العديدة، يمكن العودة إلى كل من: كتاب أحمد بن محمد المقري، نفح الطيب، الجزء الثالث والرابع. وابن خردابه، مختارات من كتاب اللهو والملاهي. الأصفهاني، وكتابه الأغاني. ومقدمة بن خلدون. وابن عبد ربه، العقد الفريد، وغيرهم. إلى جانب العديد من الذين كتبوا فيه في العصور اللاحقة.
 
يتبع...   
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
1/5/2020م

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات