القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي

























 

 
 

مقالات: لا صداقات في السياسة وإنما مصالح

 
الأحد 05 كانون الثاني 2020


مسعود كاسو – لندن 

انسحب الأمريكان من شرق الفرات بشكلٍ غير متوقع ومفاجئ، تاركين خلفهم حلفائهم الكرد، ومناطق نفوذهم فريسة سهلة بين أنياب الذئب التركي، فلا أصدقاء لهم، حتى الجبال بعيدة عنهم.

تعالت الأصوات في أمريكا وأوروبا من قبل مَن تبقى من حلفاء للكرد، مذكرين مراكز القرار الأمريكي  بتضحيات الكرد الكبيرة وشجاعتهم، ووفائهم، فتم استضافة «إلهام أحمد» الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطي، وتم توجيه دعوى للجنرال «مظلوم كوباني» لزيارة واشنطن، إلا أن كل ذلك  لم يشفع لهم.


ومن ثم – وأيضاً بشكل مفاجئ – تغيرت دفة النقاشات، وأسباب عودة الأمريكان للمنطقة.
 فبعد أن كان الحديث عن أحد عشر ألف شهيد من قوات سوريا الديمقراطية، وأضعافهم من الجرحى، ووجوب حماية الحليف، والمسؤولية الأخلاقية للأمريكان تجاههم، بات الحديث عن اثني عشر ألف معتقل داعشي، ومَن يتحمل مسؤولية الإبقاء عليهم ودفع تكاليف ذلك.

هكذا هي السياسة، لا صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة:
كثيرون هم مَن انتقدوا قوات سوريا الديمقراطية، عندما أفرجت عن معتقلين من أبناء العشائر المنتمين للدولة الإسلامية، بوساطة شيوخهم بعد تسوية أوضاعهم، وكان النقد لأسباب عديدة، أهمها خطورة هؤلاء إذا سنحت لهم الفرصة مرة أخرى بأن ينظموا صفوفهم. 
وأيضاً لماذا قوات سوريا الديمقراطية تحمي معتقلي داعش، ولا تسحب قواتها للقتال في مناطق التماس؟ وهذا ما هددت به فعلاً قوات سوريا الديمقراطية مرات عدة وفي مواقف مختلفة.

إلا أن قسد كانت لها وجهة نظر أخرى، فكانت تعلم على ما يبدو، حجم المسؤولية في إبقاء عدد أكبر من المعتقلين، وخاصة أنه بات واضحاً للعيان الآن أن القضية كانت دولية، فقد طفا مؤخراً على السطح الخلاف بين أمريكا ودول أوروبية  ترفض إعادة مواطنيها، ويتم البحث عن ممول ومكان لإيوائهم.

فقد كتب ترامب في تغريدة على تويتر «تطلب الولايات المتحدة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين استعادة ما يزيد على 800 من مقاتلي داعش الذين أسرناهم في سوريا وتقديمهم للمحاكمة. الخلافة على وشك السقوط. البديل ليس جيداً سنضطر إلى إطلاق سراحهم».

فالعناصر المحليين (الأنصار) لم يكونوا  محط اهتمام أحد، إذا ما استثنينا منهم القيادات ومرتكبي الجرائم، ولا يرغب أحد بالإبقاء عليهم أو التكفل بنفقتهم، فكلما زاد العدد ازداد العبء المادي والأمني والكادر البشري اللازم لحراستهم وتقديم الخدمات لهم، لذلك  تخلصت  قسد من أعبائهم، وكسبت ود عشائرهم في نفس الوقت، فمن مبدأ الربح والخسارة، هناك صيد ثمين يجب الحفاظ عليه وهناك عبء يجب التخلص منه، العناصر المحلية كانت عبء، ولا قيمة لها، والعناصر الأجنبية ورقة تفاوض ثمينة، فكما تركيا تهدد باللاجئين الموجودين لديها، فالإدارة تلوح بالأسرى لديها وما يكلفها العناية بهم وإبقائهم تحت السيطرة، وخاصة بعد أن فشلت الجهود في نقلهم للعراق وفتح محاكم خاصة بهم بسبب الأحداث الأخيرة في العراق والتي كانت مصائب لقوم وفوائد لقوم آخرين، وبالتالي عدم وجود جهة بديلة للإدارة للقيام بالمهمة. 

كل الصرخات واستجداء العطف والضرب على وتر الحلفاء، والتضحيات لم يجدِ نفعاً لدى الأمريكان، ولكن عدم قدرة تركيا للوصول إلى مكان اعتقال الداعشيين، بسبب بُعد معتقلاتهم عن المنطقة المسمى بالآمنة، ونقل مَن كانوا تحت مرمى تركيا سريعاً، جعل أمريكا  تعيد التفكير وتراجع القرار بالانسحاب، وتعود للسيطرة حيث يوجد السجناء والنفط، وصرحت علناً، أن النفط سيكون لتغطية مصاريف قوات سوريا الديمقراطية، ووجودها أي (أمريكا) ضروري لكي لا يطمع أحد بالاستيلاء على تلك المنطقة وإلهاء واستنزاف قوات سوريا الديمقراطية.

وبما أن الكرد أضعف وأفقر من أن يفاوضوا أو يرشوا الدول الكبرى أو يشتروا منها منظومات صاروخية كما يفعل خصومها، ليس لديهم سوى أرواحهم لكي يقدموها قرابين لنيل ما هو ممكن، فسقوط أحد عشر ألف شهيد، وأكثر من خمسة وعشرون ألف جريح، لم يكفِ، بل يلزمهم أن يقدموا المزيد، لحراسة عناصر أخطر تنظيم في العالم من مواطني الدول العدوة لهذا التنظيم، الذين بدورهم يبدوا أنهم سعداء بخلاصهم من مواطنيهم (الدواعش)، فكما يدفعون لتركيا حتى لا ترسل لهم المزيد من العناصر المحتملين، فهم مستعدين لتقديم أي شيء لإبقاء هذه العناصر بعيداً عن دولهم الآمنة، لذلك دفعوا لأمريكا بحسب تصريح رئيسها على هامش قمة الناتو «لقد ضغطت بنجاح فائق على قادة دول الناتو، حتى جعلتهم يدفعون 130 مليار دولار سنوياً و 400 مليار دولار إضافية لمدة 3 سنوات. لا توجد زيادة بالنسبة للولايات المتحدة، فقط الاحترام العميق!».

لحسن حظ الكرد أنه ليس هناك مَن تأتمنه هذه الدول على هؤلاء السجناء كما الكرد، الذين يرضون بأقل النفقات، ويقدمون أكثر الخدمات، مقابل الحصول على وضع قانوني واعتراف دستوري في سوريا، أو حتى السماح لهم بالاستمرار بوضعهم الحالي في أسوأ الأحوال.

فالدولة السورية أطلقت سراح معظم قيادات الحركات الإسلامية بعد بدء الحراك في سوريا، والذين شكلوا نواة لجميع المجموعات الإسلامية المتشددة. وتركيا أدخلت جميع العناصر الغريبة (المهاجرون) ويشتبه الغرب بوجود صله بينها وبين داعش.

العراق بلد منقسم على حاله، والاحتجاجات الأخيرة زادت الوضع سوءاً، كما أنها تحت سيطرة إيران أكثر من العراقيين.

استناداً على كل ما سبق وبسبب الفوضى في لبنان والعراق، الأمر الذي سيعطي حرية في الحركة وغطاءً للتنظيم للعودة وتنظيم صفوفه والانطلاق مجدداً في حال حدوث خلل في مناطق سيطرة قسد وخاصة حيث تحتجز المعتقلين الدواعش، وهذا ما قد حدث فعلياً  في بعض المناطق في العراق.

فتحول الحديث من تضحيات الكرد لأجل القضاء على داعش إلى مسؤولية ومشاركة الكرد في الإبقاء على سجناء داعش، الأمر الذي يعتبر ورقة ضغط جديدة قديمة في يد الإدارة الكردية، وحجة لدى أصدقائها – إن كان لها حقاً أصدقاء – لتقديم المزيد من الدعم و المساندة للكرد، لكي لا يخسروا أكثر مما خسروا.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات