القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 512 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: عندما تحتضر مدينة هي قامشلي «عن زيارتي الأخيرة إليها ما بين 18 تموز- 19 آب 2018 »

 
الثلاثاء 18 ايلول 2018


ابراهيم محمود

10- تصاريف أطبّاء قامشلي 

" إلى الصديق الراحل، وهو في أوج حسرته من مدينته، الدكتور فارس كره بيت "

كان علي أن أخصص حلقة عن تصاريف الأطبّاء في قامشلي، وعن أفانين التعامل مع الجسد الإنساني المتخَم بالعذابات والويلات من الجاري، حيث وجد كم وافر من الأطباء ممن ظهروا حديثاً، وممن وجدوا ضالتهم في مغذيات الأوبئة والعاهات والأمراض التي تزيد في نسبة المرضى، ليدخلوا في تنافس فيما بينهم، وشراكة، تُنصَب فيها فخاخ للغلابة من الناس، وبصور شتى، إلا القليل القليل، ممن رأوا في الجاري المحك الأكبر لإقرار مهنتهم إنسانياً بعمق !


من خلال متابعة متواضعة لي، متواضعة كاشفة نسبياً للذين يعرضون أنفسهم على عيادات أطباء قامشلي وذوي اختصاصات مختلفة، تبيَّن لي أن أهلها كما هي مدينتهم ممزقون، ويعانون من أمراض مختلفة، ويضطرون إلى مراجعة هذا الطبيب أو ذاك، حيث الكِلف غالية.
شهادات كثيرين أفصحت عن هذه النزعة المافياوية في " ابتزاز " المريض بين أجرة معاينة، وأجرة التصوير بطبقاته، والأدوية، لتظهر المدينة في غالبها وكأنها جسد ممتلىء عِللاً .
ذلك يتناسب طرداً مع ذلك السعار الذي يتملك البلد، وقامشلي ضمناً، وهو في كيفية الإثراء، كما لو أن حصاد سنوات مدمرة ومروعة ليس أكثر من نتيجة منطقية لهذا النخر الأخلاقي. فلا فرق بين من يقتل الآخر بالرصاص، ومن يستغله بمبالغ ضخمة، ومن يوهم أنه يعالجه زيفاً إجمالاً.
لكم شملتُ قامشلي الجريحة المنكوبة بنظرات في جهاتها الأربع، وكلي سؤال واحد عن أصدقاء أطباء كانوا ولم يعودوا هنا، ومن بقوا فعل جمر المكان وتحمل الصعاب وهم ندرة طبعاً .
ذهبت إلى كنيسة مار يعقوب المتاخمة للشارع الرئيس، لحضور قدّاس وجنّاز الصديق الراحل الدكتور فارس كره بيت. لكم كان ظله منتشراً في المكان، إذ رغم هجرة نسبة كبيرة من السريان والأرمن الاضطرارية كان الحضور المتمثّل في نسبة لافتة من ذوي العمر المتقدم، تعبيراً عن هذا التراحم والتقدير رغم وطأة الجاري. التقيت أصدقاء سرياناً هناك. كان أول من التقيت به الصديق الدكتور ماروكي ملكي الأثير بتفانيه وطيب روحه. لكم تمنيت أن يكون بين الحضور كردٌ تعبيراً عن هذه اللحمة المكانية، إنما للأسف لم تعثر عيني على أحد منهم .
كان الراحل اسماً على مسمى في إخلاصه لمهنته، وسعيه إلى كسب الآخرين بمسلكه هذا، لتكون نهايته المأسوية في ألمانيا غرقاً تعبيراً عن عمق الكارثة المستفحلة في البلد .
التقيت الصديق الآخر الدكتور فرات مقدسي الذي لم يتردد يوماً في تقديم يد المساعدة بالمقابل، متجاوزاً أي علاقة مادية قدر استطاعته، وهو الذي أجهد نفسه كثيراً هذه المرة في إجراء عملية  لزوجتي، وقد أزال كتلة دهنية بارزة أعلى جبهتها. تلك مأثرة أخرى من مآثر قلة قليلة جداً من الأصدقاء الأطباء الذين تعرفهم قامشلي بمسلكياتهم الوجدانية، وهأنذا أثبتها هنا .
في العودة إلى لائحة الأطباء، ودون أن أسمّي أحداً، لكَم أفزعني ذلك التهافت على جمع المزيد من المال، كما لو أن جلهم متفقون فيما بينهم على لزوم اتباع مختلف السبل لهذا الغرض، أن كلاً منهم، يتحرى أخبار الآخرين، والطرق الأكثر نجاعة للمزيد من " التشليح "!
لأذكّر هنا، أنني لا أقلل من جهد أي طبيب، ولا أشهّر فيه، حيث لم ألمّح إلى أي كان، سوى أن متابعتي هذه إلى جانب متابعات أخرى، ذات العلاقة الاجتماعية والاعتبارية،لم تولّد صدمة في داخلي، على وقْع هذا الانهيار الشمولي كلياً. فكل شيء صار في المجمل " بيزنس ": الأخلاق بيزنس، الثراء الفاحش بيزنس، الدخول في علاقات مشبوهة بيزنس، ما يعتبَر انحلالاً بيزنس، الاجتهاد في ابتكار وسائل تعين على الإثراء السريع بيزنس...الخ، كما لو أن أغلب هؤلاء مدركون أن ما يجري لن يطول، لهذا يكثفون وتيرة " البيزنسية " هذه قبل فوات الأوان .
لأختم مقالي هذا بالتأكيد على أن شريحة الأطباء ليست منفصلة- بمفهومها الاجتماعي، الثقافي، والنفسي عن بقية الشرائح في سلوكياتها الأخلاقية، ربما بالعكس، إذ إنهم من خلال ارتباطهم بأثمن وأعظم ما هو مسمَّى في سُلَّم المهن، يمكن لهم أن يكونوا المثل الأعلى في النبل الأخلاقي، وبالمقابل، أن يجسّد الحد الأقصى، أو الأعظمي في الانحطاط الخُلُقي. وما يمعن النظر الخريطة السياسية في طول البلاد/ المدينة وعرضها، يتلمس ذلك، وبالعين المجرَّدة !

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4
تصويتات: 8


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات