القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 368 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: عرب كوردستان وعلاقتهم بعرب عربستان

 
الجمعة 27 شباط 2015

 

آزاد أحمد علي

في الثقافة الكوردية والمخيال الشعبي كل الأراضي التي تقع جنوب المناطق الكردية، كل السهول والبراري التي تمتد من تخوم المناطق الكوردية الى النجد والحجار وصولا للأراضي المقدسة هي عربستان، وهي غير إقليم الأحواز الذي سمى "عربستان". في الثقافة الجغرافية العربية، وخاصة التراثية المدونة منها: كل الجبال والهضاب التي تمتد من مشارف الخليج العربي وحتى لواء اسكندرون هي كردستان، اي بلاد الكورد. لكن خصوصية عربستان بالنسبة للكوردي كانت دائما تعني دفئ الأماكن المقدسة. وعلى الرغم من بعض الصفحات السوداء في تاريخ الجوار، إلا أن العلاقة العضوية بين عربستان وكوردستان تعيد إنتاج نفسها بصيغ سياسية واجتماعية واعدة. 


 ففي السنوات الأخيرة تزايد استقرار العديد من العائلات العربية في مناطق من  مختلفة من إقليم كوردستان العراق ومناطق كوردية سورية، وبخاصة العاصمة أربيل، وتضاعف أعداد من يفضل الإقامة في كوردستان بعد إحتلال الموصل  صيف 2014.

 منذ سنتين أقيم في ضاحية سكنية خارج أربيل، أسمها (كوردستان ستي). تبين لي فقط بعد عدة أسابيع من السكن، أنني أعيش في بيئة عربية، ولم أعد أسمع في الجوار من يتحدث الكوردية، فمعظم الجيران هم من سكان وسط أو جنوب العراق، أغلبهم عرب ومسيحيون من مختلف المحافظات العراقية. قبل أيام أقلني أحد الجيران بسيارته إلى وسط أربيل. دار بيننا ما موجزه: (من اي محافظة جنابكم؟ انا أصلي من محافظة صلاح الدين، نحن كنا نسكن بلدة بجوار المناطق الكوردية، تعرضت لمشكلة وتهديدات هنالك، اشتريت منزل هنا، وأدخلت أولادي مدرسة قريبة منا في حي عين كاوا، الحمد لله يتعلمون باللغة العربية. هل ستبقى هنا دائما؟ رد علي بلغة هادئة، وتعابير مثقف، أخي نحن قررنا أن نعيش هنا دائما، قد تستفسر حول المستقبل، قد تنفصل كوردستان مستقبلا، أو لا، في كل الأحوال أتمنى أن تبقى بلدتي تابعة لأقليم كوردستان، نحن أصبحنا بإختصار من عرب كوردستان، وهذا قرار شخصي، هل تعلم يوجد ملايين العرب في أمريكا وأوربا، هم أصبحوا عرب أوربا وأمريكا، أما نحن فنريد أن نبقى حيث نحن دائما، أن نكون عرب كردستان، فالتسمية لاتهم، إنما الأهم أن لا يتمزق النسيج الاجتماعي الذي تكونا وعشنا فيه ... أعتقد أننا سنبقى في هذا الفضاء المشترك، نحن أبناء هذه الجغرافيا، والأمل كبير في أن الأخوة الكورد سيحافظون على حقوق جيرانهم العرب...)

هذا الرأي فاجأني في قوته، وشجعني لإعادة قراءة الواقع وتجاوز العديد من المفاهيم والثوابت المتشنجة.

إن ما سمعته من مثقف عربي عراقي وإن كانت حالة فردية، إلا أنها تبدو ظاهرة جديدة واسعة الانتشار، ظاهرة تضم زعماء العشائر والنخب السياسية وأصحاب المهن الحرة وأساتذة الجامعات. لم يعد بمقدور المخطط والسياسي أن يتجاهل هذه القناعات والرغبة العملية في العيش والبقاء ضمن حدود كوردستان من قبل عرب الجوار. الذين ولأول مرة في تاريخهم يقتنعون بجدوى وضرورة التحالف والتضامن مع جيرانهم الكورد، ولمصلحة الطرفين. فمهما كانت السيناريوهات المستقبلية فمن المؤكد ان مئات الألوف من العرب والكورد سيستمرون بالعيش معا ضمن دول باتت خرائطها قابلة للتحول والتعديل، إلا أن الجغرافيا الاجتماعية ستظل ثابته تقريبا. وهذا ما يوحي  بزيادة  دور (عرب كوردستان) في أن يظلوا جسرا للتواصل بين كوردستان وعربستان بمفهومهما الجغرافي والاجتماعي الواسع. 

لاشك باتت الأحداث والمتغيرات السياسية تفرز معادلات وقناعات اجتماعية جديدة، قد تهيأ المناخ وتترجم عمليا إلى صيغ متقدمة من التشارك الاجتماعي والسياسي، فالبيئة الاجتماعية – السياسية التي تتكون على ضفاف الحرب على الإرهاب، تشجع لإستشراف مستقبل أفضل لكل من العراق وسورية وبينهما كوردستان. صحيح أن القراءة الإستشرافية تثير كم من التساؤلات، منها ما هو مرتبط بدرجة ضمانات العيش المشترك بين قوميات وطوائف كل من العراق وسورية، ومنها أيضا ما هو متعلق بتأثير أحداث السنوات الأخيرة على المشترك المذهبي الذي بات يطفو على السطح عوضا عن الحساسيات القومية السابقة. على من قساوة الحرب الدائرة اليوم فثمة العديد من المؤشرات على تقارب العرب السنة مع الكورد، وتهيأ الأرضية للتأسيس لتفاهمات سياسية جديدة بين القوى الكوردية والعربية السنية، قد تفضي إلى صيغ قانونية  كالفدراية والكونوفدرالية؟

لكن ثمة آراء متشائمة مازالت تعد هذه التجاذبات مجرد هزة تضرب المنطقة، وتخلخل المنظومات السياسية السابقة، وتوحي بهذا التقارب السياسي - الاجتماعي  الظاهري بحكم الجوار الجغرافي، دون القدرة على أن تتجاوز مرحلة المحنة والتأسيس لما هو استراتيجي.

الهزة القوية التي ضربت كل من العراق وسوريا في السنوات الأخيرة قد لا تنتج  بالضرورة ما يوازيها من تحالفات سياسية غير مألوفة؟ لكننا أمام تفتح صفحة جديدة لوعي اجتماعي وسياسي مرتبط بالأزمة، وعي بات يدرك أهمية السعي لتأسيس شراكات سياسية وإتحادات مناطقية جديدة؟ بمعنى أنه بات من الممكنات السياسية أن يعيش العرب السنة في العراق أو كل من سوريا والعراق ضمن فدرالية أو كونفدرالية واحدة؟ كما يمكن لهذا الشكل المؤسسي الجديد أن يعيد صياغة علاقة مميزة مع الجيران الكورد. وفي سياق المتغيرات تظل إمكانية تدخل القوى الكوردية لتفعيل وتنشيط هذه التوجهات، وترسيخ المشتركات وتفعيلها عاملا رئيسيا مساعدا.  في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف والرد على تطرفه، هل بات السعي السياسي لإتحاد عدة محافظات عراقية مع عدد من المحافظات السورية مناسبا؟ وهل ولادة كيان جديد عابر لحدود دولتي العراق وسوريا الحاليتين بات ممكننا؟ وبالتالي هل نحن مقبلون عمليا على صيغ من الإتحادات بعقد اجتماعي وسياسي جديد؟ وما موقع القوى الجهادية غير المتطرفة في هذا المشروع؟ وبالتالي إلى أي درجة ترتبط هذه التوجهات والاحتمالات مع درجة نجاح تأسيس وبناء دولة قانونية مدنية إتحادية مرنة كبيرة، وقادرة على أن تتجاوز أزمتي الحكم في كل من دمشق وبغداد؟

ما الذي يشجعنا اليوم على إفتراض كل هذه التكهنات والتصورات؟ ما يشجعنا هو بالتأكيد فشل الدول التي شكلتها الكولونيالية الغربية مطلع القرن الماضي، وتسلط أنظمة مركزية دكتاتورية جائرة عليها، بطشت بمواطني هذه الدول، وصولا الى حملات الإبادة، وبروز تنظيمات اكثر تطرفا من الحكام السابقين، مما أدى الى تكون وعي سياسي جديد وشجاع عابر للمألوف السياسي ورافض لخياري الاستبداد والتطرف معا.

ان الكم الهائل من التضحيات التي قدمتها طلائع النشطاء السياسيين في منطقتنا يمكن لها بشجاعة أن تجاوز المسلمات السياسية السابقة، بما فيه بنية الدولة ذاتها، حدودا وتكوينا وشرعية بقاء، وكذلك جدوى احتكارها للعنف. فلم يعد مهما بالنسبة للإنسان في هذه المنطقة المنكوبة بالإستبداد والتسلط، إسم الدولة التي يعيش في ظلها، ولا قبيلة وقومية وطائفة الحاكم، بقدر ما يهم المواطن ما تقدمه هذه الدولة وحكامها من أمان ورفاه ومساوة لمواطنيها.  من جانب آخر على النخب السياسية وقادة إقليم كوردستان أن يستوعبوا درجة التحول الجيوسياسي الكبير الذي حدث في جوارهم، وإن يكونوا على مستوى من الحساسية والمسؤولية التي وقعت على كاهلهم، والتي تتلخص في المقام الأول بتدوير نتائج الحرب على التطرف والاستبداد لصالح مزيد من مبادرات التعايش والتعاون مع الجوار العربي، والاستفادة التامة من محن وتجارب الماضي لبناء تحالفات واسعة تخدم الانسان - الضحية في جوارنا القريب.
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات