القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

رواية: الارض الجريحة.. الحلقة السادسة عشر

 
الثلاثاء 29 اب 2023


زاكروس عثمان 

اعتقد سپاسکو ان الخرائط السابقة التي تُطبق على مصير ابناء الجن بدأت تتفسخ و تموت، لكن الذئب يحاول بأية وسيلة ان يمد في عمرها، حيث تحالف مع الدب واقنع النسر بصرف النظر عن خروف وحيد محاصر غرب الماء، انكسر الدم في عروق سپاسکو إذ بدى له ان الرعيان افسدوا البيضة الذهبية التي ينتظرها، هذه رائحة الكبريت تخرج من افواههم تسمم حياة القطيع الذي يرفع صوته احتجاجا على امتناع النجوم عن ردع الوحوش عن القرية، ولكنه لم يحتج على رعيان سلموا الخراف إلى الذئاب، انقبض صدر الشاعر وتمنى لو انه يحمل قريته بين كفيه ويهرب بها إلى كوكب بعيد حيث سئم من غابة جعلت ابناء جنسه فرائس لأجناس اخرى.


اطمئن السلطان هذه المرة على ان الفريسة ستكون من نصيبه، الشارع مفتوح على مصراعي سكون متخم بالسواد والترقب يكاد أن يتقيأ أثار خطوات مستعجلة أراد أصحابها الوصول إلى منازلهم قبل أن يدركهم المتوقع, عناكب تتسلق جدران الشمس تلقي بالشباك على الخروف، انقلب الهواء إلى هبوب اصفر قاتم الرائحة يطبق على جبل كورمينج، انهالت مطارق اليأس على رأس سپاسکو عز عليه ان يسأل جبل مكشوف الظهر فيما إذا كان بمقدوره إعانة المتغطرسين على مقاتلة جيوش العناكب، هو يعلم ان الجبل لا يعود جبلا حين تكشف الدببة والنسور ظهره، حين يمتلك الجعل محركات وقذائف، طحنت الهواجس معنويات سپاسکو وهو يقول لنفسه: المعركة مكشوفة هذه المرة حين تهاجم الوحوش سوف تدخل الكائنات الاخرى جحورها وتلتزم الصمت ريثما تجهز الذئاب على الخروف.
تسلق خيط مرارة لسان سپاسکو وجف في حلقه لتصاب الصرخة بالشلل، ارتطمت مشاعر غريبة في رأسه فأخذت تقاتل بعضها بعضا، سمع مشاحنات في الشارع بين اتباع المتغطرسين واتباع سماسرة الكلام، في هذه الاثناء كان وعلان يتناطحان على ذرى جبل شاهق حيث لن يرتاح لهما بال ما لم يلقي احدهما بالآخر ليكون طعاما للذئاب. 
الضياء مقتول الفرصة تضحك لحفيد ارطغرل والشارع يُفرخ شبيحة.. مخبرين.. خفر إيديولوجيا.. أدمغة تصنع من الدم سلالم، يغوص الجميع في عراك على مصباح مقطوع الرأس, نجمة مخطوفة, قمر مفقود, شمس أقيم عليها الحد, عاشق منفي, عاشقة مشردة, النور مدان نقطة على السطر، ابناء الجن ممنوعون من التداول والتهمة تهريب القمر، رأس المتغطرسين على المحك، خَطفَ حفيد ارطغرل غضن زيتون وجاء ليتخذ رئة القرية عشا للعناكب، سمع سپاسکو شجرة زيتون تتأوه من لدغة أفعى ما زاد ليلته حلكة، الكورد مقبلون على سم جديد وليس هناك طبيب يقدم لهم الترياق، شيء لا يطاق أن يعرف أحدهم إنه سوف يشنق بعد ساعة.
ضجيج الموت يصم آذان سپاسکو نهض وغادر كوخه هائما على وجهه يناجي عفرين: أمد أصابع النوايا صوبك أتلمس راحتيك ملاذا، يباغتني حاجز أصم شديد الحلكة يقضم ناظري, خوف دامس يستجوب حنيني كيف أجيب رصاصة طرشاء وليس لي من لغة سوى أنتِ, حاجز أصم شديد الحلكة يصد نجواي، أدق قامتي مسمارا في تابوت ليلة أخرى, سمع سپاسکو حشرجة ذئاب تخرج من حناجر بشرية تعوي عدالة وتبطن شريعة الافتراس ما جعلت المسافة بينه وبين المدينة مرتعا للوحوش، في أكوان تسرد الموت تابع سپاسکو مناجاة عفرين كمن يحادث حبيبة سوف يفقدها إلى الأبد. 
زحفت عناكب السياسة من جديد وخرجت خفافيش المساومات من اروقة نيويورك وهبط جراد المطامع من السماء، فيما الكورد مشغولون بالتذابح على قيادة عربة معطوبة ليس لديهم حصان يجرها، انها قاذورات الكوكب تسقط على القرية وتقطع الهواء عن الكورد، صرخت الشمس في اذن الدب فجلس قريبا ولم يبالي، تحدثت الغيوم إلى النسر فقال: هذا ليس من اختصاصي، عرف السلطان كيف يشتري صمت خصومه وحلفائه لينتزع شجرة الزيتون من كبد عفرين وينتزع عفرين من كبد الكورد، خرج المتغطرسون بمفردهم يصدون جيش السلطان ومماليكه من العربان، صُدمَ حفيد ارطغرل من بضعة مقاتلين كيف يردون عساكره وخنازيره وضباعه، كلابه تنبح تحت ضربات سباع تخط اسطورة مقاومة.
آفيستا خابور ترنيمة على خد كوباني واخرى على جبين هولير، شجرة السپیندار تريد ان تشمخ، جبال كورمانج تكاد ان تنهض، النهر ثمل يموج افتخارا وحيدا يسطر ملحمة ، غصن الزيتون يصطاد الثعالب و الخنازير، فيما بعض الكورد في سرهم يتشفون من المتغطرسين وقطيع آخر يبرر للتركي عدوانه متهما المتغطرسين بالتسبب في وقوع الهجوم.
ظن السلطان انه ذاهب في نزهة قصيرة لصيد ابناء الجن، لكنه ارتعد حين وجد جيشه الجرار يعجز أمام حفنة من الفتيات والفتيان لا يملكون من السلاح الا بندقية ومن الذخائر سوى قلب اسد، ابناء الجن يتابعون القتال يوم بيوم ، نبح السلطان ذهولا جيشه يطلب المدد جنوده خائفون مماليكه عاجزون، الجبل يلد نمرا في كل لحظة يفتك بالغزاة، اثقل ابناء الجن كاهل السلطان فاستعان مجددا بالعاهرة العجوز لتمده بالمال والنار وتباركه على حرق الاطفال والنساء وإعدام القرى والمدن، عاد التركي إلى طبعه يقتل الحجر والشجر، يزج بقطعان اخرى من الخنازير في المعركة، الكثرة لا تغلب الشجاعة ولكن طائرات صواريخ مدافع ودبابات العاهرة العجوز تحيل سماء عفرين وترابها إلى نار ودخان وتجبر ابناء الجن على التراجع.
تنفس مماليك السلطان الصعداء، وتسنى للضباع والخنازير البحث عن فريسة فعثرت على لبوة منفردة ارادوا اسرها، بارين التي رضعت حليبا لم تذق فيه طعم الهزيمة، حملت على الوحوش المجتمعة عليها مفضلة الموت وهي واقفة على السقوط بين مخالبهم القذرة. 
وقف عشاق الله على جثة بارين هَللوا وكَبروا للرب الذي أهداهم لبوة ميتة فاستظهروا رجولة يفتقرون إليها على جثة، عصابة خنازير يحومون من حولها يخافون الاقتراب منها، قبل قليل زرعت الرعب في قلوبهم وانتزعت منهم رجولتهم حين وقفت إزاء الموت وقفة سِباع روژهلات الذين يعانقون حبل المشنقة رافضين التراجع عن عشقهم، خنازير تهاب اللبوات وأن كانت ميتة، بعد تردد طويل والاستعانة بالله غامروا بالاقتراب من بارين مدفوعين بالثأر والحقد، وحين تأكدوا أنها جثة هامدة صاروا ابطالا وبدأت مراسيم التنكيل، خنزير يهتك عورة الجثة، ضبع يأكل ثديها، خنزير يسحلها، الجميع منتشين بالنصر المبين الذي وعدهم الله به.
عناكب خبيثة لا تدرك ان بارين لم تسقط بل احييت امة، بارين لم تمت بل الله مات في عفرين وهو من تعرض للتنكيل على يد عشاقه، فيما امة الكلاب في الجوامع تنبح: الله اكبر تتوعد اللبوات والسِباع بمصير مماثل، قاتل أبناء الجن جيش يأجوج ومأجوج طوال شهرين لم يتعب الجبل ولكن حماقة الكورد تغلب شجاعتهم، وكذلك تلك العاهرة العجوز صانعة المصائر انحازت كعادتها إلى الخنازير، انها لسبب مجهول غير معجبة بالقضيب الكوردي، هي ذي تضع يد السلطان على أنفاس القرية، مغول عربان و تركمان يذبحون عفرين يسلخون جلدها يمزقونها ويبيعونها في الهواء الطلق.
بكى الكوردي على بيته الذي سلبه التركستاني على بستان زيتونه الذي صادره العربان على دوابه ودواجنه وجراره وبراده وسرواله، لكن لم تُذرَف دمعة على كرامة الموتى من عين راهب بوذي، اما حامل الصليب الذهبي فقد تنكر لأوجاع المسيح حين بارك الخنزير الأكبر الذي صلب بارين، فيما كان النيل من جثة لبوة في نظر شيوخ الاسلام نصر من الله.
تجاوز الانكسار عتبة الألم حين داس حفيد ارطغرل رئة الكورد كي يخنق احلامهم، سقط السنديان فانكسرت قامة سپاسکو، أرق يدس اصابع الحزن في أجفان ابناء الجن انهم يخافون النظر إلى عيون بعضهم البعض حيث يجدون فيها عفرين مرفوعة على الصليب، ضحك ثعبان العدالة من بساطة الكورد ومضى وهو يحمل في جوفه حمامة نوح وغصن زيتون، همست شجرة السنديان وهي تلفظ انفاسها الاخيرة في إذن سپاسکو المنبطح ارضا: لن يشبع السلطان ما لم يفترس الطريق وينهش القرية كلها، ويبعثر ما تبقى من صدى الإنسان في حناجر قلة من الخيرين، اطلق خليفة المسلمين يد جنوده في عفرين فحملوا على الاهالي قتل وتنكيل وترويع حتى اخرجوهم من ديارهم ثم باعوا اشلاء المدينة وقراها في العراء، واسكنوا لصوص الغوطة والقلمون في منازل الكورد الذين وجودوا انفسهم في العراء.
عَزَ على همرين ان تسمى نازحة او تنام في الخيام رفضت مغادرة المدينة او التخلي عن بيتها، انها تسمع انين الشوارع حين تدوسها دبابات السلطان، وتسمع صرخات الابواب حين يقتحمها عبيده، الجنود يطاردون هواء عفرين لينتزعوا منه رائحته الكوردية، مرتزقة يقيمون الحد على شجرة زيتون بتهمة الكفر، وضعت همرين اطفالها على الفراش خففت ضوء السراج واطفأت نار الموقد، وبدأت مثل كل ليلة تقص لهم حكايات حتى يغلبهم النوم، حكايات تشوبها مسحة اسى تتخللها ترانيم شجية، انها مهمومة كسيرة القلب لأجل زوجها الغائب منذ سنوات، ظلت الام تسرد الحكايات الى ان داعب الكرى اجفان صغارها لتضع راسها على وسادة الهواجس تذرف الدمع خلسة، بالأمس اخذوا زوجها واليوم اسروا عفرين، هي خائفة من برد شتاء يقرص اطفالها، من وحش الحاجة ان يبرز انيابه لهم مهددا، قالت في سرها: الفاقة والموت سيان يدفعان المرء الى تجرع كأس الحرمان، ولكن الكأس الاشد مرارة الذي تتجرعه الام طوال الليل هو اسفها على زوجها الذي ما كاد يهنئ بأنوثتها حتى طواه الغياب ولم يرجع، زوجة شابة تحن الى زوجها، ضفائرها تحن الى اصابعه وهي تلف خصلات شعرها على نفسها، نهداها يتوجعان تطلبان شفتيه، قلبها يتلوى حين لا يسمع نبضات قلبه، مشاعرها احاسيسها تتوهج فلا تعود قادرة على التحمل تناجيه: اين انت يا قرة العين، فيما رامان ابن السبع سنوات صامت يستمع لامه دون حراك كي لا تنتبه اليه بان النوم قد جافاه هو ايضا، شعر الطفل بالاسى على نفسه وعلى امه فاخذ يذرف الدموع على خديه في الخفاء يسأل نفسه: اين يكون ابي لماذا لا يعود لماذا اباء الاطفال حاضرون وابي وحده غائب، ثم يجيب نفسه لا لا اليوم اطفال كثيرون اصبحوا مثلي، الطائرات اختطفت ابائهم ايضا، شعر الطفل ان امه تبكي هذه الليلة اكثر من الليالي السالفة، انه حائر تارة يفكر ان ينهض اليها ويلقي بنفسه في احضانها ويعانقها وتارة يريد ان يخرج من جلده ويطوف البراري يبحث عن اباه، لم يعد قادرا على الثبات كم يوجعه ان يجد امه تبكي، حسب فهمه للحياة قال لنفسه: شقيقتي توأم لي ربما تكون امي توأم ابي انها تحبه كثيرا، فيما هو يعاني حالة نفسية اكبر من طاقته بدأت الرعود وهطل المطر فانشغل بشرارة البرق قليلا، وذهبت خواطره ترتقي السماء حتى علت الغيوم دون ان يجد شيء هناك، بقي عالقا وسط تلك الحالة مرة يفكر بوالده مرة ينشغل بهموم امه مرة يفكر بالمطر وازداد توترا لينهض الى امه ويلقي نفسه بحضنها يعانقها. 
الام: ايها الجني ما زلت صاحيا لماذا لا تنام. 
الطفل: ماما كم هو كبر مهبل السماء حتى تتبول على العالم كل هذا البول. 
الام: ليس للسماء ثمة مهبل وهي ابدا لا تبول. 
الطفل: اذا هذا بول الله من يعلم كم هو كبير قضيبه حتى يتبول كل هذا البول.
خافت الام حين سمعت كلامه، صفعته وحذرته قائلة: خروفي الصغير اياك ان تقول كلام كهذا مرة اخرى انت تكفر وان كفرت فلن يعود اباك الينا ابدا.
وضع الطفل رأسه على صدر امه وهو يقول في نفسه: ان لم يكن للسماء مهبل ولم يكن لله قضيب فمن هو الذي يتبول على العالم كل هذا البول، قد تكون لله اعين وقد يكون له اب غائب مثل ابي، ترى هل امه تحب اباه كما امي تحب ابي، من يعلم ربما اباه وابي معا في موضع ما. 
بقي الطفل يسبح في تساؤلاته البريئة حتى غلبه النوم، فيما غرقت الام في همومها إلى ان نالها الخدر، حتى اصبحت ساهمة سكرانة عالقة وسط حالة من الصحو والنعاس، تلوح بيدها لزوجها الغائب، الذي كان في تلك اللحظة جالسا في زنزانة على جليد حظه، قبل ان يتخدر جسمه ويجف روحه، يحاول الهرب إلى غابة مجدبة، يسند ظهره الى شجرة عملاقة متيبسة، الموت يهاجمه وهو يقاوم متسلحا بخيالات زوجته واطفاله، لكنه ادرك ان الضربة نالت من صميم كيانه فما عاد يفكر بشيء سوى في كسر الجليد لينتزع دماغه من بين اسنانه ويتخلى عن صيد اوهام عاقرة ليعود الى احبته، تابع الهرب زاحفا حتى نجا بنفسه من العتمة والجليد، واتجه بكل غبطة صوب عفرين، في الطريق اصيب بالدهشة، الفصل فصل الربيع لكن الزهور والورود حزينة، الاشجار مكسورة الخاطر، جبل كورمينج يرتدي ثوب اسود، دخان قاتم يشنق القرى، اخذت الشكوك تراود زوج همرين وهو يسال نفسه: يا ترى هل هذه هي عفرينتي ام انها عفرين اخرى، عفرينتي مزركشة معطرة فمن اين اتت العتمة ورائحة الموت، تابع السير محبطا حتى صادف مجموعة خيام يتشاجر بينها اثنان من معارفه احدهما يقول للآخر: انت اضعت عفرين، فيرد عليه بل انت الذي بعتها، ادرك الزوج اي كارثة اصابت عفرين، اخذ يجول بين الخيام يبحث عن اطفاله وزوجته، كذلك انطلقت العصافير تبحث عن صغارها الجفلة، هب النسيم رغم انف الضباع ، شمت همرين رائحة زوجها عن قرب وباتت على يقين انه ما زال حيا.

أرى نور اشراقاتي
أنت كأس الشوق
ثورة نشوة تملأ مساماتي
أنت الأمل والحب والحياة
ومن مثلي له حياتي


 
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات