القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: «انثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال حتى لا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين»

 
الأثنين 22 حزيران 2020


 محمود عيسى: كاتب وباحث
  
لا يفتأ المهمومون من بؤس الواقع المعاش المتحسرون على أمجاد الماضي التليد يستشهدون بجملة "انثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال حتى لا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين" مع نسبتها للخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز، وتروى عنه كبدهية تاريخية لا تقبل جدلًا، هنا يستبادر إلى ذهن القارئ فورًا التساؤل الآتي: ألم ترد هذه العبارة أم ليست له؟! 
العبارةُ موجودةٌ (أو معناها) ولكنّها تُنسب خطأً لغير صاحبِها، أقصدُ نسبتها للخليفة الأمويّ عمر بن عبد العزيز؛ فهي ليست له، وإنما هي للأمير الكرديّ نصر الدولة المرواني: أحمد بن مروان أمير ميّا فارقين وآمد (ديار بكر). 



فقد أورد ابن كثير في ترجمته: " وكانت بلاده آمنَ البلاد، وأطيبها وأكثرها عدلًا، وقد بلغه أن الطيور تجوعُ فتجمعُ في الشتاء من الحبوب التي في القرى؛ فيصطادها الناس؛ فأمر بفتح الأهْراء (المخازن) وإلقاء ما يكفيها من الغلّات في مدة الشتاء، فكانت تكون في ضيافته طول الشتاء مدة عمره".[1] 
والأمير نصر الدولة أعظم أمراء السلالة المروانية الدوستكية (990م – 1096)، ودام حكم نصر الدولة خمسين سنة ونيّف (بين 401 – 453 هـ = 1011 – 1061 م) عمّر خلالها المدن وأقام الجسور، وبنى المساجد والقنوات، وحصن القلاع، ورعى العلم والعلماء، وصد غزوات قبائل الغز التركمانية، وأقام العدل، وعرف بالتسامح الديني، قال عنه ابن الأزرق الفارقي في كتابه المعروف بـ(تاريخ  الفارقي): (وانعمرت ميافارقين أيام نصر الدولة، وقصدها الناس والتجار وجماعة من كل الأطراف، واستغنى الناس في أيامه، وكانت أيامه أحسن الأيام ودولته غير الدول). [2] 
(وقيل ما ظلم أحد أيام نصر الدولة ولا صادرا أحدًا إلا شخصًا واحدًا). [3]  ذكر ابن الفارقي قصته. 
  
   
ووصف الرحالة الفارسي مدينة آمد التي زارها عام 1036 أثناء إمارة نصر الدولة:" وَقد رَأَيْت كثيرًا من المدن والقلاع فِي أَطْرَاف الْعَالم فِي بِلَاد الْعَرَب والعجم والهند وَالتّرْك وَلَكِنِّي لم أر قطّ مثل مَدِينَة آمد فِي أَي مَكَان على وَجه الأَرْض، وَلَا سَمِعت من أحد أَنه رأى مَكَانا آخر مثلهَا" [4]
مما يؤيد هذا الأمر أنّ عادة إطعام الحيوانات البريّة أيام اشتداد البرد والثلج في الشتاء كانت ومازالت سُنّةً متّبعة وعادةً متوارثةً في كردستان إلى يومنا هذا؛ مما تعكس روح العطاء والإنسانية المتجذّر في الإنسان الكردي منذ آلاف السنين. 
  
 

لم نسبت الرواية للخليفة العادل: عمر بن العزيز؟ 
لقد أثر عن هذا الخليفة العادل من الأعمال الجليلة والمآثر النبيلة مما قد لا يستغرب أن تكون مثلُها لمثله، فقد عمّ عدله حتى شمل العجماوات؛" فقد نهى عن نخس الدابة بالحديدة، كما حدد حمل البعير بستمئة رطل" [5] . 
 ووردت له عبارة قريبة من العبارة التي ذكرها ابن كثير لنصر الدولة المرواني قد تكون سبب هذا الخلط؛ فقد ذكر أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب الأموال:( كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق: "أن أخرجْ للناس أُعطياتهم"، فكتب إليه عبد الحميد: "إني قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقي في بيت المال مالٌ"، فكتب إليه:" أن انظُر كل من أدان في غير سفهٍ ولا سرفٍ فاقضِ عنه"، فكتب إليه:" قد قضيت عنهم وبقي في بيت المال مالٌ"، فكتب إليه: " أن انظر كلّ بكر ليس له مالٌ، فشاءَ أن تزوّجه فزوّجْه وأصدقْ عليه"، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت وقد بقي في بيت مال المسلمين مالٌ"، فكتب إليه بعد مخرج هذا: "أن انظر من كانت عليه جزيةٌ فضعُف عن أرضه، فأسلفْه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنّا لا نريدهم لعام ولا لعامين"[6]
أخيرًا: من المهم استحضار الماضي ليس من باب التعالي الأجوف أو النكوص للماضي كحالة هروب من واقع بائس، بل لأن الماضي– التاريخ والاعتزاز به يشكّل جزءًا أصيلًا من هوية الفرد والأمة، فحريّ بأبناء الشعب الكردي ولا سيما المتخصصين منهم التعريف بهذا الإرث التاريخي واستخراج جواهره المكنونة كردة فعل طبيعية وإيجابية ضد الحملات الشرسة التي تهدف إلى تشويه أو انتحال أو إنكار هويته وتاريخه ووجوده.

الهوامش: 
  1.  أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، البداية النهاية، الجزء 12، مكتبة دار المعارف، بيروت، 1991، الصفحة 87.
  2. أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق، تاريخ الفارقي، دكتور بدوي عبد اللطبف عوض، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1959، ص 166
  3. تاريخ الفارقي، ص 168.
  4.    ناصر خسرو علوي، سفرنامة، ترجمة: د. يحيى الخشاب، مصر، الهيئة العامة للكتاب، 1993، ط2، ص 53.
  5.   أبو محمد عبدالله بن عبد الحكم، سيرة عمر بن العزيز، عالم الكتب: بيروت، ط 6، 1984، ص 141. 
  6.   أبو عبيد القسم بن سلام، كتاب الأموال، ت: أبو أنس سيّد بن رجب، دار الهدى: مصر، دار الفضيلة: السعودية، ط 1، 2007 م، مجلد 1، ص 363.                              

[1] أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، البداية النهاية، الجزء 12، مكتبة دار المعارف، بيروت، 1991، الصفحة 87.
[2] أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق، تاريخ الفارقي، دكتور بدوي عبد اللطبف عوض، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1959، ص 166
[3] تاريخ الفارقي، ص 168.
[4]  ناصر خسرو علوي، سفرنامة، ترجمة: د. يحيى الخشاب، مصر، الهيئة العامة للكتاب، 1993، ط2، ص 53.
[5] أبو محمد عبدالله بن عبد الحكم، سيرة عمر بن العزيز، عالم الكتب: بيروت، ط 6، 1984، ص 141. 
[6] أبو عبيد القسم بن سلام، كتاب الأموال، ت: أبو أنس سيّد بن رجب، دار الهدى: مصر، دار الفضيلة: السعودية، ط 1، 2007 م، مجلد 1، ص 363. 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات