القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: جدل العلاقة بين الإعلام والثقافة

 
السبت 25 نيسان 2020


حواس محمود 

تعود العلاقة بين الإعلام والثقافة إلى مراحل قديمة في التاريخ البشري ، لأن الثقافة بحد ذاتها قديمة وتعود إلى عصور غابرة من عمر البشرية ، حتى أن الإعلام يمكن أن يكون أقدم من الثقافة ، وذلك ربما لأن حاجة الإنسان القديم للإعلام كانت أكثر إلحاحا وأكثر التصاقا بضرورات البقاء من الثقافة ، فإذا اعتبرنا أن الحاجة هي التي تؤدي إلى ولادة الظواهر الإنسانية ثقافية كانت أو غير ثقافة أو تحدد عمرها وتطورها ، فإن حاجة الإنسان القديم للإعلام كانت أكبر و أكثر إلحاحا ، لأنها ألصق بالحياة ، وبضرورات البقاء ، أليست الأصوات و الإشارات التي كان يصدرها الإنسان القديم لينذر بها أفراد أسرته من الخطر أو يدعوهم بها إلى الفعل نوعا من أنواع الإعلام البدائي الذي أملته الحاجة وضرورات البقاء ؟ 


إذن العلاقة بين الثقافة و الإعلام علاقة موغلة في القدم ، ولكنها لم تكن واضحة أو متبلورة في الماضي ، فقد كانت المادة الإعلامية شديدة التداخل والالتصاق ، فالمادة الثقافية مبثوثة فيها ، ممتزجة بنسيجها ، يوم لم تكن هناك وسائل إعلامية معروفة أو مستقلة .
وتجدر  الإشارة إلى تطور المادة الثقافية والإعلامية تبعا لتطور الحياة البشرية ، قد أدى إلى وجود نوع من التمايز أو التباين بين وسائل الثقافة ووسائل الإعلام ، فبدأت وسائل الإعلام المستقلة بالظهور ، وكان صدور أول صحيفة بعد اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر بداية استقلال المادة الإعلامية ، بوسيلة خاصة وبداية عصر أو ثورة الإعلام التي انتشرت خلال المرحلة المعاصرة بوساطة الإذاعات ووكالات الأنباء ومحطات البث التلفزيوني والانترنيت والبريد الإلكتروني وغيرها.
ولكن ما إن استقلت وسائل الإعلام وتنوعت حتى طغت وبدأت باحتلال مواقع الثقافة ، وغدت من أهم وسائلها ومن أقدرها على نشرها وإيصالها ، بل أصبحت القناة الثقافية الرئيسية التي توصل إلى الناس بسرعة ويسر مختلف أنواع وألوان النتاج الإنساني في جميع ميادين المعارف والفنون والآداب ، وهكذا انتقلت أو تطورت علاقة الثقافة بالإعلام من مرحلة الاشتراك بوسائل واحدة في الماضي البعيد ، هي الوسائل الثقافية ، إلى مرحلة تمايز الوسائل أو استقلالها ، ثم العودة مؤخرا إلى وسائل مشتركة إن لم نقل واحدة ، ولكن رغم ما تعرضت له هذه العلاقة من تلون وتعرج ، إلا أنها بقيت مستمرة ، ووثيقة في آن ويرى الأستاذ علي سليمان أن هذه العلاقة مرشحة للبقاء والاستمرار رغم طغيان الإعلام المعاصر على الثقافة ومحاولته الجلوس في مقاعدها ، إذ ليس هناك من مادة إعلامية خالية من الثقافة والتثقيف أو مادة ثقافية خالية من الأعلام ، فكل عمل ثقافي هو في احد جوانبه أو وجوهه عمل إعلامي ، أليست الثقافة أو الإعلام تعبيرا عن الرغبة في التواصل مع الآخر ، أو نوعا من الحوار مع الآخر ، ومحاولة الوصول إليه لمخاطبته أو التأثير عليه أو التأثر به ، أليس في طبيعة الثقافة ومادتها وهدفها جانب إعلامي ووسيلة إعلامية وهدف إعلامي ؟ يعبر فيها الإنسان  عن موقفه من نفسه أو من الآخر أو الحياة أو الكون ، ومن معتقدات الآخر وقيمه واشكالياته ، ثم أليس من اليسر اكتشاف الثقافة في الإعلام والإعلام في الثقافة 

يرى الأستاذ جهاد علاونة  أن الإعلام في الدول العربية بيد السلطات العربية وأن هنالك ثمة إنفراج شبه مؤكد في الثقافة ولكنه على نطاق ضيق وليس على نطاق واسع وهو لا يكاد أن يكون خطوات فردية وليست جماعية يكون تأثيرها على الأغلب ضيقا ومحصورا في أنظمة وبوتقات صغيرة جدا .
وأي مؤسسة ثقافية مستقلة إذا أصبح لها تأثير كبير فإنها ستغدو على مر الزمن مركز إعلامي تضع الحكومات العربية يدها عليه سواء أكان ذلك عبر دس مثقفين به ينتمون إلى السلطة أو تلجأ إلى تفكيكه بإبعاد المثقفين به عن بعضهم البعض وتتخذ وسائل شتى  لإبعاد هؤلاء المثقفين عن بعضهم البعض .

الإعلام بيد السلطات العربية وهو موضوع منفصل عن الثقافة وإنه من الملاحظ جدا أن هنالك فصل عميق وكبير بين وزارات الثقافة الإعلام في الدول العربية .
فوزارات الثقافة وزارات مستقلة ووزارات الإعلام وزارات مستقلة بذاتها ويحتفظ وزير الإعلام بخصوصياته ويحتفظ أيضا وزير الثقافة أيضا بخصوصياته وكلا الخصوصيات رسمية وليست شخصية .

والإعلام يقهر الثقافة ويبتزها بوصفه الناطق الرسمي بإسم النظام الحاكم وتقوم وزارة الداخلية ،  والأمن بكل فصائله بحماية الإعلام من عبث المثقفين حيث أن أقلام المثقفين إذا وصلت للإعلام فهذا يعني أن الإعلام في خطر .
وخطورة الإعلام ليس كخطورة الثقافة فهو أشد خطرا من الثقافة فالثقافة تأثيرها ضيق أما الإعلام فتأثيره واسع جدا وهو يتعدى إلى مؤسسات واسعة الإنتشار أما الثقافة فهي فقط محصورة بالنخب الثقافية يتعاطون بالثقافة هنا وهناك في المقاهي والأزقة والشوارع وفي بعض المؤسسات التي لا يزيد حضورها الرسمي عدد أصابع يد واحدة 
الثقافة بيد النخبة والإعلام بيد السلطة تلك حقيقة يجب على المثقفين إدراكها كليا 
ويرى امحمد مالكي أنه مع تطور ميدان الاتصالات في القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة أضحى الإعلام بمختلف وسائله وطرائقه ، الوعاء المناسب والأكثر سعة لحمل رسالة الثقافة ، بل تفاعل الإعلام مع الثقافة وتوحدهما في رسالة مشتركة أسهم لاحقا في التداخل والتنافذ وصعوبة التمييز بينهما 
فالمثقف الداعية أو الداعية المثقف لم يعد يمارس دوره من منبر خطابي بلغة مباشرة نحو أتباعه ومريديه ، بل صار عمله مؤسسيا جمعيا ومستندا إلى وسائل انتشار متعددة الإمكانات ، وشديدة التأثير ، وهكذا دخلت تقانة الاتصال المتطورة لتدعم الثقافة وتجعلها أكثر إغراء وتواجدا وانتشارا في عالم مبهر للصورة الواسعة ومستدامة الحضور ، ويضيف مالكي بالقول إننا أمام عالم سحري للإعلام السمعي البصري الذي أغرق العالم في ثلاثية : الفورية ، والتنوع ، والانتشار، واقتربت الثقافة في إيقاعها اليومي من كوكبية الإعلام وتمازجت معه ، لتبني نمطا جديدا من الغايات والمصالح ، وربما كل ذلك يقارب منظومة التجارة ، وجعلها محكومة أحيانا بقوانين السوق في العرض والطلب 
ومع ذلك يمكن للتطور العميق الحاصل في قطاع الإعلام أن يكون عضُداً في حمل رسالة الثقافة، كحاجة إنسانية، من محرابية النخب والمثقفين إلى فُسحة واسعة من التداخل والمشاركة الجماعية بطابعها الجماهيري، المُتسمة بالتنوع والتفاعل. فمن اللافت للانتباه أن صار ردُّ الفعل على المنتوج الثقافي يعود سريعاً على صانعه، بالنقد والمراجعة والتقويم. وقد زاد كل ذلك في إغناء العمل الثقافي وتنوعه، وحرصه على التواصل الدائم. مقابل ذلك، تداخلت الثقافة مع إثراء الوسائل الإعلامية وتنوعها، وأحيانا مع حِرَفية الإعلام المُلتبِس مع الدعاية والتبرير والتزويق، والمُنشَّط دوماً بجرعات التزييف للواقع. هكذا، امتزجت رسالة الثقافة مع صناعة الإعلام، وتضاعفت العلاقة المصلحية بينهما بالحاجة المتبادلة بينهما. تنزل الثقافة عن كينونتها المُنزهة عن الشرور، والإعلام الذي يرتدي في كل وقت وزمان حُلة المصالح والغايات، وغير البريء أحيانا من الشرور والآثام، والمدافع عن «الشيطان» في أحيان أخرى. وفي كل ذلك تشويش وتداخل بين القلم والسيف، وبين عُذرية الكلمة وفضائحية الدعاية. بيد أن المثقف قد يضطر، كي يضع بضاعته في سفينة الإعلام ويُبحر بها نحو عوالم أوسع، إلى أن يُجامل الإعلام، ويتوافق مع شروط رفقتِه، وبالتالي قد تنتقل عدوى الفساد المتوافرة، مع الأسف، في رسالة الإعلام، إلى رسالة الثقافة، ويتحول المنتوج الثقافي إلى ما يشبه الإعلان التجاري في مضمونه وغايته. 
ويقول  فلوراس وليا (كاتب من المكسيك): " ان عبارات الثقافة والإعلام أصبحت في مواجهة حتمية ذلك ان الاستعمال الحالي لأجهزة الاعلام العصرية ينطلق من مبدأ نكران وجود الذاتية الثقافية للمجتمعات وهذا يمكن تشخيصه في سعة انتشار الرسالة الاعلامية"  

.
وفي مقالة له بعنوان “الثغرة الثقافية في الإعلام” يرى الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم أن أحداً لا يستطيع أن ينفي أن آلة الإعلام ووسائلها وتقنياتها الحديثة تمثل ثقافة مستقلة بحد ذاتها، إنها إنتاج ثقافي يتطور مع تطور المعرفة من أجل الوصول إلى كيفية أرقى وأجمل في التواصل والتعاون، ويستعرض د .غلوم التطور المتسارع الذي شهدته الظاهرة الإعلامية في المجتمع الخليجي مع تأسيس الإذاعات وقنوات التلفزيون، وتطور الصحافة مروراً بالانفتاح على الثقافة الإلكترونية، ويقترح سبلاً عدة لتنمية القاعدة الثقافية لمفهوم الشراكة والديمقراطية، وضرورة الإقرار بالاختلاف والتنوع، وذلك لجسر الهوة بين الثقافة المحلية والعالمية على صعيد إنتاج الثقافة في الإبداع والفكر بشكل خاص، ومن أجل تقليص معايير ثقافة السوق وزيادة دعم الإعلام للثقافة والتخطيط المتكافئ لبرامج الثقافة المحلية
وختاما يمكن القول بتاريخية العلاقة بين الاعلام والثقافة وتطور هذه العلاقة لصالح طغيان الاعلام على الثقافة وبخاصة في الالفية الجديدة على أثر التحولات التكنولوجية الهائلة ورياح العولمة العاتية التي أضحت من القوة بمكان بحيث تداخل الاقتصادي بالسياسي والثقافي والاجتماعي  فلم تعد الثقافة مستقلة عن الإعلام  ، ولكن ورغم كل هذا يمكن أن تتناول المواد الثقافية الإعلام بالشرح والنقد والتحليل وكمثال الكتب والمؤلفات والمقالات  الصادرة التي تتناول الفضائيات ما لها وما عليها ، والأسس السليمة التي يجب أن تقوم عليها ، وكذلك يمكن للمحطة الفضائية ان تقدم برنامجا ثقافيا يتناول موضوعا ثقافيا حلقة كتاب ، ندوة ، أو حوار فكري أو ثقافي ، حوار مع مؤلف ، أو مع ناشر أو مع مؤسسة ثقافية أو تناول ظاهرة ثقافية كأدب الصالونات أو أدب المقاهي أو كتاب الرصيف  على سبيل المثال لا الحصر 
المراجع 1- جهاد علاونة " الثقافة والاعلام في الدول العربية " - الحوار المتمدن – 16-5-2008 
2- حواس محمود-  كتاب  " التكنولوجيا والعولمة الثقافية " دار المنارة دمشق – بيروت 2003– ص 70 
3- امحمد مالكي " في العلاقة بين الاعلام والثقافة " – صحيفة العرب القطرية – 10-5-2008 
4- عثمان حسن " جدل العلاقة بين الاعلام والثقافة "-  صحيفة الخليج – 3-4- 2012 
5-   صفاء شاهين – " جدلية العلاقة بين المنظومة الثقافية ووسائل الإعلام  موقع النور  12-10-
6-علي سليمان "الثقافة والإعلام نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف "مجلة المعرفة السورية – عدد 267 مايو – 1984 ص 6 

..........................................................
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات