القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: الطبيب الأمي

 
الثلاثاء 31 اذار 2020


إبراهيم اليوسف

يبدو العنوان متناقضاً، لأول وهلة: إذ كيف يكون هناك طبيب وأمي؟، لاسيما إنه وفي أذهاننا جميعاً، أن مرتبة الطب لا تنال إلا من قبل من أوتي بجوانب عالية من العلم، بل والاجتهاد، والذكاء. هذا ما سأجيب عنه، خلال هذا الشريط الكتابي، وأؤكد أن  هذه الأمور كانت في بالي وأنا أكتب مسرحيتين، هما: "استرنا الله يسترك"، و"الطبيب الأمي" وموضوعا كليهما يتعلقان  بفكرة واحدة. بالفكرة نفسها:


 طبيب، وممرض، ومراجعون، وأحداث فانتازية، ساخرة، وإن كان لكل من المسرحيتين فضاؤها الخاص بها.  المسرحية الأولى أخرجها صديقي" فاضل بدرو" في العام1977 والثانية أخرجتها أنا في العام1978 وكان الفنان الراحل عبداللطيف خلف عبدالسلام "كانيوار" وعبدالهادي إبراهيم وآخرون- أشرت إلى أسمائهم في أكثر من مرة- قد مثلوا في هذه المسرحية، ومورست ضغوطات كثيرة بحقي، وفرقتي، آنذاك، وتم توقيفنا، في مخفر الحي الغربي في قامشلي، وغير ذلك مما ذكرته في كتابي السيروي: ممحاة المسافة 2016، وفي مخطوط "آلة الاستبداد ولذة المواجهة" الذي ينتظر الطباعة؟
وإذا كنت أنظر إلى النظام الحاكم في سوريا- نظام الأسد الأب- بأنه جاهل، أمي، بحسب وجهة نظري وأنا ابن السبعة عشر عاماً، آنذاك، ووظفت الفكرة بشكل رمزي، في كلا النصين. في كلتا المسرحيتين، فإنني -الآن- أرى، أن ذلك النظام لم يكن جاهلاً في عالم ثقافة الاستبداد، بل كان يتجاهل ما يطلبه الشعب، ليفرض عليه التصفيق، فحسب، وإن كان يدري في قرارته بأن لا أحد معه، ولعل أكبر دليل على ذلك أن الطاغية حافظ الأسد لم يزر منطقة الجزيرة السورية، بعكس ابنه - الموهوم بشار الأسد- بأنه مرغوب من قبل السوريين جميعاً، وفي هذا ما ينم عن خوفه من شعبه!
توظيفي لهذا العنوان "الطبيب الأمي" جاء لسببين، أولهما: أنني، الرومانسي، الحالم، طوال حياتي، والكاره لما ينتمي إلى عالم الرياضات والفيزياء والكيمياء، والهائم بالأدب والفن، وهذا الهيام جعلني أترك "الفرع العلمي" أثناء دراستي في المرحلة الثانوية. الفرع الذي كانت تخولني  له درجاتي في الصف الأول الثانوي ، واخترت الفرع الأدبي الذي درسته، كطالب حر.  والمفاجأة بالنسبة إلي، قبل سواي، أنني نفسي بتُّ أعنى بأمور الطب، ولم أكن أعرف من عالم الطب إلا مجرد حبوب" الأسبرين" والبندول" و"التهاب اللوزتين"، وكنت أقشعرُّ من كلمة" الطب" وعالم المباضع، والدم، والتخدير، والحقن، والأدوية. 

وثانيهما عامل ذاتي، وهو ربما كان نتاج عقدة انسكاب طنجرة من الحليب "الإفرنجي" المغلي، على جسدي في طفولتي: وجهي ويدي وبطني في طفولتي، ومعالجتي في عامودا سنة  أو 1965-1964، على يد أحد الأطباء هناك. 


ما عدت أتذكر اسمه، وكان الممرض يوسف حرسان- وكنا نسميه الدكتور- المتابع لأمر معالجتي يومياً، وما أتذكره من تلك المرحلة وأنا طفل، بعد، هو إيقاعات حركة مقص هذا الممرض الحنون- كما تمليه علي صورتي بعد خمسة وخمسين سنة- وهي تزيل الجلد عن جرحي المتهتك!
الآن غدوت طبيباً!
أقولها وأضحك من نفسي، إذ إنني لم أكن أفهم أبسط ما في عالم الطب، وأوكل أمري لعدد من أصدقائي الأطباء الذين أثق بهم. يحدثونني عن بعض المصطلحات، فأومىء لهم بأنني أعرف ذلك، ليقولوا لي: إنك بخير، وهذا ما كان يكفيني في كل مرة.
لكن الأمر تغير، في مرحلة ما بعد كورونا، إذ وجدتني أعنى، على حين غرة، بكل ماهو طبي، إذ صرت أقرأ عن الفروق بين: الفيروسات وبين ما هو بيولوجي، بل صرت أتابع تاريخ" كورونا" المتحور، المتحول، والفروقات الطفيفة بينه و"الرشح"" الانفلونزا" المعروفة بكل طبعاتها، ومن بينها أنفلونزا الخنازير، وأنفلونزا الطيور، بل مضيت لقراءة تاريخ الطاعون، والكوليرا، بالرغم من أنني كنت قرأت رواية" الطاعون" لألبير كامو مرات، كما أنني قرأت رواية "الحب في زمن الكوليرا" لغابرييل غارسيا ماركيز التي أهدتها إلي صديقة لاتزال العشرات من رسائلها المكتوبة إلي بخط يدها، في مكان آمن، في الوطن، وكنت أفكر بنشرها في "كتاب". أتذكر كنت جد معجب بشخصية بطل الرواية "فلورينتو " الذي لم  ييأس من حبه لفيرمينا، بالرغم من بلوغهما العقد السابع، ولعلَّ أجمل مافي تلك الرواية، إدعاء فلورنتينو الذي قرر السفر بحراً في سفينة أن مرض الكوليرا منتشر لذلك تمَّ  تركها وشأنها في عرض البحر، ذهاباً وإياباً، من دون أن يخالط العاشقين أحد، وهما يمارسان الحب ما بعد الحب، وهو أعظم أنواع الحب!
ثمة ما استفدته من الكورونا، بالرغم من أن شبحه يخيم على نحو عالمي. استفادتي تكمن في أنني تحررت من أميتي الطبية، وصرت أصفني- نصف طبيب- كما هؤلاء الأطباء الشعبيون، وأنصاف الأطباء ممن كنت أسمعهم، إذ إنني منذ عشرين سنة آخذ الإسبرين المميع للدم، وقبل شهرين عندما اعترفت بذلك لطبيبة ألمانية: قالت: واصل استخدامه!، لكن من وصفه لك:
صديق لي يكبرني سناً استخدمه فاستخدمته
فضحكت من أمري!
النفير الكوني حول كورونا- وهو في مكانه- دعا كثيرين منا للبحث عن كيفية مواجهة هذا الطاعون العصري الجديد، ولعله طاعون ما بعد الحداثة. طاعون الألفية الثالثة الذي- وكما أجزم- أنه أول حدث هزَّ العالم، بقاراته، وشعوبه، وملله، ليجعلهم. ليجعلنا مستنفرين، يهابه الكبير منا قبل الصغير، والرئيس قبل المرؤوس، والطبيب قبل المصاب به.
وبالعودة إلى عنوان هذا النص، فإن كل ما ذكرته عن عوالم- الطبيب الأمي-  ورؤيتي السابقة للعلاقة بين الصفة والموصوف: الطبيب /الأمي، وتحولات هذا المفهوم، تدريجياً، لدي، هو ما شجعني- لتثبيته، والاطمئنان إليه، كبوابة نصية،  إضافة إلى أن استذكار بعض عوالم علاقتي بالمسرح جاء عشية الاحتفال بيوم المسرح العالمي الذي تمتلكني في كل سنة، وانا في حضرته، مشاعر كثيرة، باعتباري عشقت هذا العالم، واستطعت أن اواجه ذهنية مجتمعي. بيئتي، تحت سطوة ولعي الكبير به، إلا أن صدمة ضغوطات السلطة جعلتني أبتعد عنه، وإن كان بعض من كانوا في الاتجاه الآخر، يقدمون أنفسهم، اليوم، أصحاب أيد نظيفة، مثقفين، في هذا الموقع أو ذاك..

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.13
تصويتات: 15


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات