القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: القاصرات والقاصرون بين السلاح الكردي والسياسة

 
الأثنين 12 كانون الثاني 2015


د. محمود عباس

    لتشعب الموضوع، سنختزل الأبعاد السيكولوجية للطفل والمراهق، والنظريات التي استندت إليها الأديان والإيديولوجيات الشمولية، والغايات المتضاربة، وسنختصره ونحصره في مجال الأحزاب الكردية في جنوب -غربي كردستان، دون النظريات.
  لا ريب أن خير زخم للإيديولوجيات هم القوة الشابة، يعملون من أجلها بصدق ونزاهة عند الإيمان بها، ويملكون النشاط الثر، فهم يدلجون في الدروب بسهولة، قد تكون صحيحة أو خاطئة، لأعمال تخدم الإنسانية، أو لتدميرها وتدمير الذات، الشريحة التي لا تزال في طور التكوين المرن، قبل مجابهة الواقع العملي، فكريا وجسديا، ولا يزال في أطواره المتلاطمة، قبل الاستقرار وقدرة التنظير، وتحديد النزعات بناءً على المنطق لا العاطفة، وفي اغلبه لا تزال المغامرة العشوائية تسيطر على حراكهم،


 وعليه عند استخدام هذه الشريحة في غير أبعادها وخارج قدراتها الفكرية والجسدية، وخاصة في الواقع العسكري، يؤدي على اجتزازها من مستقبل قادم قد يعول عليهم الأكثر من الحاضر العشوائي، وستكون خسارة كبيرة للمجتمع حاضراً ومستقبلاً، هذه الشريحة لن تتمكن من تقديم المناسب، لمواجهة الاجتياحات العسكرية والثقافية المتنوعة على المنطقة الكردية، وذلك لعدم تكافؤ القوى، وانعدام السند. 
   رغم هذه المرحلة العمرية الحساسة، مع ذلك استند عليهم، وأسند إليهم العديد من الأعمال، وعلى مر التاريخ، هؤلاء كانوا من أحد الفصائل المهمة  ضمن معظم الأديان السماوية وغيرها، والحكومات المستبدة والدكتاتوريات والأحزاب الشمولية، وبمراجعة سريعة لصفحاته سنجد، أن العديد الذين أتبعوا الرسالة المحمدية، في بادياتها كانوا دون السادسة عشرة من عمرهم، عند الاعتناق، ورفضهم في العلميات العسكرية، وحادثة أسامة بن زيد في موقعة أحد معروفة، ومثلها تلامذة المسيح، وأتباع موسى، إلى أن توسعت الرسالات بين الأمم، وجند مؤسس الطائفة الإسماعيلية-النزارية، حسن الصباح (1037م-1124م)، الآلاف من الأطفال  في قلعته المسمى (قلعة الموت) وهدد بهم الدولة السلجوقية والخلافة العباسية  إلى أن قضى عليهم اجتياحات المغول. ونظرة خاطفة لتاريخ الأحزاب الشمولية تظهر أنهم جندوا الشباب تحت أسماء متنوعة، مثل الشباب الثوري، والأشبال، والشبيبة (بعد ترجمتها إلى العربية) وغيرها من الأسماء. استند عليهم الحزب النازي الألماني والفاشي الإيطالي والحزب الشيوعي الروسي، وأتبعه جميع الدول التي تبنت مدرستهم، والبعث السوري والعراقي، وقبلهم الناصري المصري، وأندرج في هذه الموجة المنهجية الثقافية بعض الأحزاب الكردستانية، وكان منهم البيشمركة في العديد من الثورات الكردية، وأوسع من تبناها بتخطيط وركز عليها حزب العمال الكردستاني، دون أن نبحث في الأسباب والظروف التي أدت إلى تبني هذه المنهج، ولا شك الموضوع لا يمس هنا المناضلين والمناضلات من أجل، كردستان حرة، والحفاظ على كرامة الشعب، ولا الشهداء والشهيدات حيث  تدنى لهن الهامات (تقديسا) ولو كان المسلم لا يحبذ الكلمة،  فالمطروح نقد لقضية اليوم، يتلقفها تحت غطاء النقد الذاتي مؤسسات تف دم التابعة لحزب أل ب ي د، وينقدونها ويعلنون النقيض والرفض في الواقع النظري، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتجنيد العسكري لا السياسي أو الإعلامي، والتصريحات تتالى من معظم مؤسساتهم السياسية، على معاقبة كل تجاوز لعملية تجنيد الصغار، وهم يدركون أن إدراج القاصرات والقاصرين على الخدمة العسكرية لحمل السلاح، أكثر الأعمال رفضا في الهيئات الدولية والمنظمات العالمية والمجتمعات البشرية، لكن حصلت وتحصل تجاوزات، وتؤدي إلى ردات فعل، كثيرا ما تكون كارثية على مستوى المجتمع في جنوب غربي كردستان، خاصة وأن معظم الحالات لا تحل بالشكل المطلوب والطرق الممكنة، لتهدئة الساحة الاجتماعية هناك، بل كثيرا ما يكون رد الفعل معاكسا وخالقا لصراعات جانبية، خاصة أن هذا التجنيد يحصل في جو ينعدم فيه التكافؤ مع الأعداء، كما مر معنا آنفاً. 
لا شك الطفل وبشكل غريزي يندفع إلى العراك، ويتلذذ بحمل السلاح، ولا يملك الحكمة في النتائج، لا ذاتيا ولا عند استخدام المادة الموجودة في اليد، ففي فترة من العمر، وحتى بلوغ سن الكمال لا تتجاوز وجود السلاح( من السيف ماضيا وحتى الرشاش حاضراً) في يده أكثر من أنها لعبة تمتعه، يتلذذ بسماع صوتها، واستخدامها، وهي النقطة الهشة في الطفل التي استغلها السلطات الشمولية، في ماض لم يكن للطفل حماية سوى حماية العائلة، وفيما بعد مروجو الأيديولوجيات وهم يخترقون المبادئ العائلية مستندين على القوة الذاتية، ويجدونها البيئة الخصبة لزرع المفاهيم ونشرها بسرعة وقوة، وعلى أسس هذه البنية تتكون الاستراتيجيات ويبلغون الأهداف والغايات بسهولة.
تحايلت القوى السياسية في العصور المتأخرة على القوانين والأعراف الدولية، فوضعوا أفعالهم تحت بنود معينة، كما وتحايلوا على شعوبهم فخلقوا معاهد بمسميات تبرر الغايات، ومراكز تعليمية لا علاقة لها بالثقافات الطفولية، كثيرا ما يتخرج أطفال بعمر الثامنة عشرة وقد قضوا نصف عمرهم في المعارك الوهمية أو استخدموا السلاح عن جد، والعديد من المنظمات الإسلامية التكفيرية تجند الصغار تحت أسماء كطيور الجنة بعد مقتلهم، والمنظمات الإرهابية الإسلامية اليوم ثلثهم دون سن البلوغ، أنه الجهاد الأعظم، يستشهد قبل أن يبتلي بالسيئات، والأحزاب الشمولية في كثيره تستخدم نفس المنهج وبطرق أخرى، وتحت منطق مغاير، حيث التعليم والدفاع عن الوطن.
    لا يمكن التسيب في السيئات، والتمادي في الأعمال المنافية لحقوق الأطفال تحت غطاء الوطنيات، أو جنح الأعمال الخاطئة اجتماعيا وعرفيا بواجهة الدفاع عن الشعب والشرف، وخاصة في الواقع الحضاري الجاري. لكل عصر متطلباته، وظروفه، وقيوده، وتجاوزات فترة من الزمن تلغى في العصور اللاحقة أو بالعكس. ففي قضية تجنيد الصغار بالعمر في الأعمال، اليدوية، كانت لها أدوار ومراحل تاريخية، حددت بعد ظهور القوانين والأحكام البشرية العصرية، والتطور الاجتماعي وكتابة بنود حقوق الإنسان، وتغيرت معاملة الطفل ليس فقط في المدارس وفي الأعراف الدولية ومواثيقها، بل ضمن العائلة نفسها وتغيرت نظرة أغلبية المجتمعات إليهم، وهكذا فإن عمليات التجنيد لحمل السلاح تحت ظروف الدفاع عن الذات أو عن الوطن، أصبحت لها حدود، وأعمار لا يحق تجاوزها، حتى ولو رغب الطفل نفسه، فهناك تقييم لمداركهم العقلية والجسدية وتحكيم لرغباتهم، ولهذا نجد أن أغلب الدول المتطورة تمنع المراكز العسكرية للأطفال، وترفض الخدمة الإجبارية على شبابها، وتعرضها اختيارية مع تقديم خدمات ثمينة مقابلها وعند حدود معينة من العمر. وليس كما ينتقد البعض من المثقفين الكرد لمناهضي العملية، ويتحججون تحت مفاهيم الوطنية والدفاع عن الشرف والكرامة، وتتوسع الاتهامات إلى مجالات أوسع لتبلغ إلصاق الخيانة بكل نازح عن الوطن، وبالعائلات التي لا تقدم أطفالها إلى الخدمة، وترمى على الدروب التراشقات الكلامية، الغارقة في التخوين، والجبن وما يتبعهما. 
 لا شك تختلف الخدمات والواجبات وعمليات تجنيد الصغار والمراهقين، من مجالات مدنية، ضمن المعامل، أو عسكرية، في مجموعات متطرفة أو قوى تابعة لسلطات شمولية أو أحزاب سياسية بمفاهيم أيديولوجية متزمتة، إلى تسخيرهم لأعمال مدمرة للطفولة، أو بعرض مناهج سياسية تلغي فيهم جماليات الفكر الحر والآداب الملائمة لكل عمر زمني، وعادة لا تبالي القوى التي تستخدمهم بهذه القيم، فتنشر في محيطهم الملائم جماليات التجنيد والخدمة، باستخدام الإعلام الإلكتروني السهل، كنشر الصور المثيرة، أو فكرة الجهاد، ونشر الإسلام، ومحاربة الكفار، أو الدفاع عن الوطن، من اجتياحات الأشرار، ويقف وراءها جيش إعلامي متمكن وخبير بنشر الدعاية الجميلة الجذابة للمراهق، وعلى أكتافهم يحاولون قدر المستطاع خلق جيل  جاهز عند البلوغ، يقبل الفكرة ويعمل لها، وكثيرا ما تكون الصراعات وتوسيع هوة الخلافات بين القوى المتضاربة مبنية على مداخلات هذا الجيل الذي لا يقبل الجدال والحوار، ولا يرى سوى الأنا والإيديولوجية التي لقن بها منذ الصغر، ويقف ورائهم مجموعة من مثقفي البلاط، والإيديولوجية الذين وجدوا لذاتهم فيها وزنا ومكانة ما، وسياسيين يرتفعون على أكتافهم وهم يحلمون في اللاشعور بمكانة أنصاف الألهة. 
لا شك سبب هذه الكتابة، ليست بسبب  تشكيل قوات عسكرية لا بد منها ضمن مجريات الأحداث، بل على خلفية مشاهدتنا للفعل ورد الفعل، والصراع الحاصل بين الحركة الثقافية والقوى السياسية الكردية، الجارية منذ فترة في جنوب غربي كردستان، والتي  تفاقمت عند حادثة القاصرتين سناً، وسبقتهما أخطاء مشابهة، رافقتهما انتقادات بدون نتيجة، واللتين صدر بهما(البيانين)بيان مجموعة من الكتاب والمثقفين والسياسيين، والموقعة عليها بعضهم بتجردها العام دون إطلاع على كلية المضمون، كمطلب تجاوز مضمونه حل قضية تجنيد القاصرات، والتي أدت إلى رد فعل عكسي من القوة المسيطرة والمنتقدة تف دم ومؤسساتها، والتي لم تقم بحل المعضلة كقوة مهيمنة على المنطقة، بل كحزب ند للمجتمع، أو لمجموعة المثقفين والسياسيين الموقعين على البيان، أو للأحزاب السياسية والحركة الثقافية التي لا ترضخ لإملاءاتهم، واتبعوا الرد السريع بسلاح مشابه، بيان رد، مع جمع التواقيع وتجنيد مجموعة من الأقلام في الداخل والخارج للتهجم والتشهير ببعض الموقعين والكتاب الكبار الذين لهم ثقل في الحركة الثقافية الكردية، كل بمنطقه، وتداخلت طرق رد الفعل العكسي، ففاقموا في القضية، ويكادوا أن يخرجوها من إمكانية معالجتها.
  رغم كل الفوضى الجارية، والتي يقف ورائها فيما وراء الستارة السلطة الشمولية، ويستفيد منها الأعداء وحدهم، والحركتين الكرديتين تتصارعان وكأنهما دمى على المسرح أمامهم، رغم كل ذلك نرى بأنه لا يزال هناك مجال لحل هذه الخلافات وردم الهوة، وتبدأ من القوة المسيطرة، عند استخدام مؤسساتها كإدارة لها القدرة على حمل مشاكل المجتمع، ووضع الذات على أنها المسؤولة عن الأخطاء التي تحصل ويجب حلها، في حال الاعتراف، والاعتراف بالخطأ يزيد القوي احتراما عند المجتمع، لكن استخدام العنف الإعلامي أو العسكري، ينخر البنية التحتية، وينهش في الذات قبل القضاء على المعارض، وهذه جدلية أثبتها التاريخ وحركات الشعوب المناهضة للسلطات الشمولية. نعم لا يزال هناك مجال وإمكانية لبلوغ حل ما، بالجلوس معا على طاولة الحوار، لتعديل الأخطاء. فكل ما يحتاجونه الإخوة مالكي القوة العسكرية والإدارية والإعلامية، ونقصد مؤسسات تف دم، وبحزبها أل ب ي د، قليل من الاعتذار، ولا شك هذه العملية سترفع من شأن الإدارة الذاتية، وستفتح دروبا للعمل معا وبناء مستقبل ناجح. ولنكن حكماء في معالجة قضايانا، وبدايات الحكمة هي الصبر والاستماع إلى شكاوى الأخر المعارض، شرط أن يؤمن الجميع بكردستان الوطن لا بالأحزاب. 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات