القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: غيرتروود بيل : المرأة الانكليزية التي حدَّدت مصير العراق المستقبلي

 
الخميس 04 ايلول 2014


 ابراهيم محمود

   العراقيون يعرفونها جيداً، بصفتها نجمة دهاء سياسية، ماكرة، حازمة، ذات إمكانات وقدرة على المناورة، ومرونة للتمكن من الخصوم، وأساليب تحكم في التعبير ومجالسة الآخر، وإحداث التأثير في المحيطين به وأصحاب القرار. 
  أوه، إنها المس غيرتروود بيل!  يتهجون اسمها بتؤدة، وبتهيب وإثارة للتهكم أيضاً، جرّاء الموقف منها، لأنها لم تكن حتى امرأة، إنما هي المس بيل، وقد قاربت الستين عاماً عند وفاتها . المس بيل ! يقولها آخرون، هي ليست غريبة على أسماعنا. وربما يكررون الاسم تأكيداً على حضورها" وفي التهجئة العربية تكون غيرتروود، غرتوود، جيرترود...الخ " .


في المقابل، ومن باب المقاربة ما أسهل القول بأن ليس هناك ماض، إنما ما يخص الذين مضوا، وتبقى ظلالهم، أو آثارهم التي تتفاوت في إبعادها جهة التأثير، والتأثير له جنسيته، حكم قيمته، زمرته في مضمار تشكيل انطباع دون آخر، وخصوصاً حين يكون الموضوع سياسياً، وخصوصاً أكثر حين تمهَر السياسة بخاتم المرأة وعلى أعلى مستوى . 
  أعني بذلك، ومن خلال متابعة معينة لي وهي ذات فضول معرفي أولاً، ولأنني أعنى بسلطة المرأة في مجتمع الرجال، مثلما يحفّزني حضور المرأة في وسط جغرافي، ثقافي، سياسي، وكيف إدارتها للسلطة أو تفعيل أثرها فيها وهي استعمارية ثانياً، وللدارس أو المتتبع لسيرتها، أو تاريخها أن يتبين كثافة الأثر وهيبة الاسم في تاريخ ينحفر باسمها الشخصي . 
  بين حضورها كسياسية وجاسوسة بريطانية في الربع الأول من القرن العشرين في العراق خصوصاً، ومساعيها إلى أن تترك لها في كل مجال أدبي واجتماعي واقتصادي وتاريخي بصمة بارزة، يمكن التوقف عندها، وتقديمها، ليكون في مقدور أهل هوى التاريخ، ومن لديه معرفة معينة بأدوار النساء أن يوسع حدود علاقته بهذا الاسم متابعة وحتى بحثاً : انكليزية، عاشت بين عامي 1868-1926 . 
  يمكن الإحاطة بأخبارها ونتف معلومات تقربنا منها أكثر من خلال ما تمكنت من الوصول إليه في التالي:
  1-ا.ج.في: أف: ونستون: حياة غرتوود بيل 1968-1926 السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق 1917- 1926 ، ترجم : صادق عبد علي الركابي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2008، في 462 ص من القطع الكبير. 
  في تقديم المترجم، نقرأ ما يلي: لعبت الغيرتروود بيل دوراً خطيراً في الشرق الأوسط خلال الربع الأول من القرن العشرين، ص 5 . 
  ففي تقديم المؤلف نقرأ الآتي :سماها من حولها الخاتون، أو السيدة، لقد عشقت العراق وشعبه، ص 7 . 
  وربما جرّاء موقعها كان هذا القول للمؤلف: ليس هناك حياة موثقة أكثر من حياة عيرتروود بيل، ص 19 . 
  هي أوصت بتأسيس الكلية البريطانية للآثار في العراق، ص 9 . 
  وفي التعريف المقتضب نقرأ التالي: عالمة ومؤرخة وآثارية ومستكشفة وشاعرة ومتسلقة جبال +وجنائنية وموظفة بارزة في الدولة، ص 24 . 
  وفي مكاشفة جوانب من مهارتها وقوة شخصيتها، نقرأ التالي: في أكثر من طريقة واحدة أدركت غيرتروود مرور عصر ومجيء آخر، قد تحولت بنشاطها المعتاد نحو بناء دولة جديدة من أنقاط الحرب وتفكك الامبراطورية العثمانية، هي العراق، أو أورك، في الكتاب المقدس، وإحياء أول دويلة مدن عظيمة في التاريخ، التي أدخلت خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد فن الكتابة ودونت أول أساطير الجنس البشري على الرقم الطينية . ص 320 . 2- مذكرات المس بيل " الجاسوسة البريطانية في العراق آبان ثورة العشرين "، ترجمة: جعفر الخياط ، طبعة جديدة ومنقحة، مراجعة وتصحيح : حسين البدري " النجار "، دار المجتبى- بغداد، 1971 ، في 128 ص من القطع الوسط . 
  وكأن نقرأ ما يخص الكرد في محطة تاريخية حساسة لهم: أي عن الأكراد والروس : بعد الغزو الروسي لإيران في شباط 1918، الذعر الذي أصاب الأكراد نتيجة الغزو الروسي جعل الريبة والشك يراودهم تجاه الوعود التي أطلقناها أثناء فتح بغداد بخصوص الأقليات، وأصبح هذا الدور خير عون للأتراك مقابل خسارتنا لسمعتنا والعطف على قضيتنا لدى الشعب الذي كان صديقاً لنا على الدوام . ص 52 . 
  وثمة ف 6: القضية الكردية لمحة تأريخية ، ص 62- 73 ، في الكتاب . وما كتبته: يمكن وصف كردستان الجنوبية بالاستقرار الأكثر بعد القضاء على ثورة الشيخ محمود، ص 73 .
 3- العراق في رسائل المس بيل، ترجمه وعلَّق عليه : جعفر الخياط، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2003 . تولّد 14 تموز وتوفيت في 12 تموز من يوم الأحد سنة 1962 ، ص 19 . 
  أتقنت إلى جانب لغتها الانكليزية الفرنسية والألمانية فالعربية والفارسية ، 13 . 
  ولم تتزوج ولهذا عرفت بالمس بيل . 
  الكتاب في 704 ص من القطع الكبير مع صور توضيحية . 
  لها صورة فنية في نهاية الكتاب بريشة جون سرجنت عام 1923، ص 702، تتميز بوجه ذي ملامح صارمة وجهامة . 
  آخر رسالة لها حرَّرتها إلى والدها مع أخرى إلى زوجته في 2 تموز 1924 ، ص 694 . مثلاً ما يؤكد بلاغتها، ما كتبته في 15 نيسان 1924 : يندر أن يوجد بين الرجال الذين يديرون دفة الأمور هنا، أي الرجال بين الأربعين والخمسين من العمر، مسلم صادق الإيمان، وحتى مسلم يمارس واجباته الدينية، غير جعفر " العسكري "، أما الخلافة فهي ميتة الآن، وكلما ازداد تعيين الخلفاء لها يزداد موتها. ص 599 .
  4- اليزابيث بيرغوين: جيرتروود بيل: من أوراقها الشخصية 1914- 1924، ترجمة وتحرير وتعليق: نمير عباس مظفر،  تقديم : عبدالرحمن منيف، في 656 ص من القطع الكبير مع صور . 
  في تقديم منيف، نقرأ : تكون بيل الأقل شهرة مقارنة بكل من لورانس وفيليبي. ص 10 . وفيما يؤكد دافع الانتقام لديها نقرأ : لم تهدأ وانتقمت من الآخرين، ومن جملة الذين تعرضوا لانتقامها، بعد أن وقفوا في وجهها: طالب النقيب، ثم فيليبي. ص 12 .
  في كلمة المترجمة، أوردت عبارة تخللت الكلمة التأبينية التي ألقاها المندوب السامي البريطاني السير هنرس دوبس : إن عظامها ترقد حيث أرادت أن ترقد: في تربة العراق . ص 31 . 
  في الإشارة إلى كردستان وما كان عليه الوضع حينذاك : تشهد كردستان تطورات تثير الاهتمام، فمنذ وصول فيصل راحت الرسائل تتولى عليه من أعيان الأكراد وسادتهم، في المناطق الواقعة شمال حدودنا، والذين عبروا عن رغبتهم في التخلص من نير حكم الأتراك وإقامة دولة كردية تتمتع باستقلال ذاتي تحت لواء الملك فيصل " طبيعة الحكم أشبه بنظام المملكة النمساوية.ص430 ".
  5- رسائل المس بيل التي لم تترجم ،" اختيرت وحرّرت بواسطة ليدي دي ، بي، اي، ترجمة : عبدالهادي فنجان الساعدي، تقديم ومراجعة: معن معدان علي، مكتبة مصر- بغداد، ج1، 2009 ، في 144 ص من القطع الكبير، مع صور توضيحية في 16 ص. 
  ثمة الإشارة إلى مدى ارتباطها بالشرق، وفعل سحر الشرق هذا في شخصيتها، وكما هو مدوَّن: كانت تعشق الشرق كثيراً، ففي 10 حزيران، وفي رسالة منها إلى والدها، نقرأ : سوف نذهب إلى يافا غداً، حيث هناك مركب وأنا مشتاقة أن أرجع إلى البيت، ولكن تعرف الصحراء يا أبي، سوف أعود إلى هنا قبل أن يمر وقت طويل! المرء يجب ألا يبقى بعيداً عن الشرق عندما يأتي إليه من كل هذا البعد . ص 144 .
  6- رسائل جيرتروود بيل 1899-1914 " فلسطين- الأردن- سوريا- وحائل : وهذه الكلمة بالأحمر "، ترجمة: رزق الله بطرس، تقديم: ماجد بشر، دار الوراق، بيروت، ط1، 2008 ، في 352 ص من القطع الوسط . 
  في التقديم يجري إعلامنا كقراء بأنها من أهم الشخصيات البريطانية التي ساهمت في صنع الخريطة السياسية للمنطقة العربية عموماً، والعراق خصوصاً في القرن العشرين، ص 7 . 
  وأن لها مجموعة رسائل " 1600 رسالة "، ويوميات عددها " 16 مجلداً "، أما الملاحظات فقد بلغ عددها " 40 كتيباً " إلى جانب " 700 صورة " . ص 11 . 
  وقد صلت إلى العراق سنة 1914، وماتت ودفنت في بغداد سنة 1926، وعمرها بحدود 54 سنة، ص 11 " 
  طبعاً كان لها من العمر قرابة 58 سنة طالما أنها تولد سنة 1968، وتوفيت سنة 1926 .
  ولعلها تميزت بإشراقة بيانية، كما في هذا المقتطف: أشرق الصباح رمادياً ومهدداً وكنت في خوف شديد من المطر لو سقط لكان جعل من المتعذر عبور رمل الصحراء السميك. ص 251. 7- ويمكن الإشارة إلى كتابها : فصول من تاريخ العراق القريب، ترجمة: جعفر الخياط، بيروت ، دون تاريخ،في 500 ص ونيف، ومن ذلك الفصل السادس: القضية الكوردية، صص 180-230.
   8- ثمة ما يؤكد أهميتها محلياً، كما في كتاب: عرب بين النهرين وآسيا العثمانية ومس بيل، عربه : حميد مجيد عباوي- نقحه وراجعه وكتب حواشه وتعليقاته وأعده للنشر: حسان علي آل بازركان، ط1، 2005، وما يخص الكورد، صص 153-161، وهي التي أتقنت العربية لتقوم بمهمتها على الوجه الأكمل"ص"هـ- و". 9
-  وللمزيد أيضاً ينظَر إلى ما يقوله أرنولد تي. ويلسون الانكليزي الداهية الآخر عنها في كتابه: بلاد ما بين النهرين" خواطر شخصية وتأريخية " ، ترجمة وتقديم وتعليق: فؤاد جميل، تقديم ومراجعة الدكتور علاء نورس،بغداد،1991، ج1،صص311-314..الخ. " .
  10- أنوّه إلى جاذبيتها الاجتماعية وجانبها التنويري في الوقت نفسه، من خلال مناصرة المرأة وتشجيعها على التعليم بالنسبة للمرأة وفي مجتمع محكوم بأعراف تحول دون ذلك كثيراً، كما ورد في كتاب:
  عبدالرزاق الهلالي : تاريخ التعليم في العراق في عهد الاحتلال البريطاني 1914- 1921، مطبعة المعارف، بغداد، 1975. 
  وهو يشير إليها: اهتمت المس بيل بتعليم النساء منذ عام 1918، ليزددن وعياً، ص 168 . إزاء هذا التنوع وإلى درجة التناقض أحياناً: بين أن تكون ملحقة بمكتب المندوب السامي، وأن تكون شاعرة، وإدارية، وكاتبة يوميات ومتسلقة جبال، وجنائنية ومستكشفة وآثارية...الخ، لا بد أن ذلك يتطلب " طاقماً " بحثياً، أو من لديه قدرات ثقافية " لا قدرة واحدة تخص مجالاً معيناً " لمقاربة بنية التنوع الثقافي والسلوكي ومسار كل اهتمام أو ميل خلاف الآخر: أن تكون شاعرة مثلاً، وذات اهتمام بأمور الجاسوسية، ورافعة تقارير تمس وظيفتها إلى المعنيين بالأمر. 
  بالوسع دراستها على صعيد مكونات الشخصية: أي أرشيف نفسي، وجداني، عاطفي تحمله في داخلها، كيف جرى ترتيب هذا الأرشيف وهي تنتقل من عالم إلى آخر، وبقيت بعيداً عن عالم الرجال، كامرأة متفرغة لأمور عائلية، رغم أنها كانت تتحرك وسط رجال ليسوا أي رجال؟ 
  كيف كانت صلاتها بعائلتها عن قرب وعن بعد: بوالدها المتزوج من امرأة أخرى ؟ صفة حنينها إلى البيت وهي لا تكف عن التذكير بالشرق وذلك التماهي معه، كما رأينا ؟ 
  أي بعد رمزي واستهوائي لمغامراتها وهي تقطع الصحراء وتتنقل بين البلدان واللغات، ولا تنفك تمارس أنشطة كتابية غاية في التنوع وبحاجة إلى تركيز: كتابة الرسالة غير كتابة اليومية، غير كتابة الملاحظات وما أكثرها، غير كتابة ما يعنيها في الدائرة السياسية الاستعمارية، وهي في العراق المعروف بتنوع أعراقه أو شعوبه حصرياً، غير ما تعيشه في ارتحالها إلى تاريخ تليد : آثاري وتؤسس ما يذكّرها بفضلها في هذا المجال ؟ 
  لعلها كانت تحمل أكثر من شخصية في شخصية واحدة، كانت أكثر من دائرة علاقات متنفذة ضمن الدائرة التي لا بد أنها وجدت فيها وعبرها بغيتها وخلال سنوات محسوبة " أقل من عشر سنوات " ليكون التأثير الصاعق في المنطقة عموماً وفي العراق خصوصاً، وعبر ارتباطات بين ألسنة ومواقف تتقاسم من خلالها المكان، وتتحرك في أكثر من حقل لغمي . 
  أتراها، وهي التي أفصحت عن عشقها للعراق تاريخاً وجغرافيا حضاريين، كانت تمارس نوعاً من الانتقام من إرثها الاستعماري الذائع الصيت" الانكليزي طبعاً "، وفي الآن عينه لا تستطيع الانفصال عنه أو الخروج عليه كونها باسمه تحديداً تمكنت من إقامة علاقاتها والتجلي الاسمي والاعتباري بهكذا " مواهب "، واستناداً إلى هذا النوع من تسليط الأضواء وبعد قرابة قرن؟ ألا نجد أنفسنا في ضوء هذه المعطيات منقسمين على أنفسنا بين إبداء إعجاب وتحفظ ونفور؟ ألا يجب على الكثير من الرجال الذين يسمون أنفسهم رجالاً في أوساطنا أن ينعوا أنفسهم، وأن تعيش النساء حيواتها، لعل في ذلك إيذاناً بولادة" جينات " رجالية ، لا صلة لها بالفحولة؟

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات