القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

نقد ادبي: دراسة نقدية: في ديوان الشاعر أديب كمال الدين الموسوم بـ (أربعون قصيدة حرف)

 
الأربعاء 07 تشرين الاول 2009


  خالص مسور- سوريا

  في قصائد الشاعر أديب كمال الدين نسائم روضة شعرية فوّاحة طافحة بالإيحاءات الدلالية والرمز، والتاريخ، والأسطورة، روضة شذاها خلجات قلب شاعر تتواشج مع بوح الصدور وشدو النفوس، وأحاسيس مثقلة بهموم غربة فيها الدولار يُعبد ويركض الناس وراءه في كل زاوية وشارع. إنها غربة الروح والجسد والهجر وفقدان الوطن الحبيب وفيها تُستلب القيم والمبادئ. فالشاعر يعاني الاغتراب بالجسد والروح معاً بعدما أبى العيش تحت حكم الطغاة والمتجبّرين في الأرض.


 إنه شاعر إنسان بكلّ معنى الكلمة ولنسمعه في قصيدته: (جاء  نوح ومضى) يقول:

ستموت الآن.
أعرفُ، يا صديقي الحرف، أنكَ ستموت الآن.
لم تعد نقطتكَ الأنقى من ندى الوردة
تتحمّل كلّ هذا العذاب السحريّ
 والكمائن وسط الظلام
والوحدة ذات السياط السبعة.
لم تعد، أيّها البسيط مثلي
والضائع مثلي
والساذج مثلي،
...............
انتظرنا – أنا وأنتَ – طويلاً سفينةَ نوح.

جاءَ نوح ومضى!
لوحّنا له طويلاً
..............
لوحّنا له بطفولتنا العارية

وبشمسنا الصغيرة التي تغيّر طعمها
وأصبحتْ بحجمِ ليمونةٍ ذابلة.
  .............
وكنّا لا نطلب شيئاً سوى النجدة!
النجدة!
نعم، يا صديقي الحرف،

دعنا نصرخ الآن:
ال........ن............ج.............دة!
......................
انظرْ هذه شمسنا لم تزل تشرق

رغم أنها بحجمِ حبّةِ قمح.
............
أرجوك
أنا لم أفقد الأملَ بعد!

أرجوك
ال........ن............ج.............دة!
ال........ن............ج.............دة!
ال........ن............ج.............دة!

  هذا العنوان  الشاعري (جاء نوح ومضى) المكوّن من زمنين ماضيين ولكنهما متناقضان في إيحاءاتهما الدلالية، يرمز إلى فرصة سانحة مع سفينة نوح للوصول معها إلى الحرية والخلاص، ولكنها الفرصة التي لم تأتِ أكلها ولم تستثمر، حيث يرمز نوح على الدوام إلى المستقبل والخلاص. بالإضافة إلى الصوت الشجي الأشبه بالصدى المنبعث من الضاد المفخمة والنفس الطويل مع الألف المقصورة، وكأنها صوت سفينة مخرت عباب بحر مترامي الأطراف، شادة الرحيل بتثاقل نحو عالم مجهول وهو ما يشير بجلاء إلى مسافة التوتر النفسي الذي تعانيه الذات الشاعرة ويعبرعن ألمها الممض العميق.
   فالعنوان يؤدي هنا دوره الأكمل في كسر أفق توقع القارئ لأنّ فيه الحضور والغياب معاً كما في- جاء... ومضى- والفعل الماضي /مضى/ برنينه الموسيقي الحزين وفتح الفم الطويل مع الألف المقصورة فيه ما يثير لوعة الأكباد وكوامن النفوس وأشجان الصدور! وبقليل من التأمل في السطور الشعرية للقصيدة، سنرى التناظرات اللغوية المسنودة إلى إيقاعات صوتية متناغمة كما في – الذابلة- العارية- متضافرة مع الإيقاع الصادر عن تكرار حرف الحاء الحلقي المخرج، مما أسهم في إكساب النص الشعري حيويةً موسيقيةً دافقة بالألحان التراجيدية المثيرة أجاد فيها الشاعر توظيف الصورة الرامزة الموحية والمعبرة. وفي زمن الغربة والضياع يلتئم شمله مع حروفه الوفية ليعبر بها من بعيد إلى حالة بلده العراق بحضارته وثقافته العريقة لكنه المثقل اليوم بأوزار القمع والجلد والتعذيب. وقد بدأت القصيدة بعبارة/ ستموت الآن/ وبالحرف سين المهموسة الدالة على الإستقبال حيث لا يزال هناك بصيص أمل يلوح في أعتاب وزوايا صندوق باندورا السحرية.



   فالشاعر وجد نفسه متغرباً مع شعره وصديقه الحرف على حين غرة حيث لم يألف الغربة ولم يحسب لها حسابها، فكانت الغربة عليهما قاسية عنيفة، عبّر عنها بالعبارات الشعرية الموحية– لم تعد تتحمّل العذاب السحري- الكمائن وسط الظلام- الضائع- الساذج- لكن الشاعر لم يقطع الأمل وبدا ينتظر مع حرفه سفينةَ نوح ليتنقذهما من الغرق في طوفان غربة الروح والجسد. لكن سفينة نوح كما جاءت مضت ولم تنقذهما من المصير المجهول فصارت صرخته المدوية تتردد في كل سهل وواد، يستنجد ولكن ما من مغيث- النجدة..النجدة...النجدة... يا سفينة نوح لكن لاتزال هناك بقية من تفاؤل – أنا لم أفقد الأمل بعد!
   هكذا يشدّك الشاعر كمال الدين إلى عالم غربته لتشاركه اللحظات الهاربة من أعماق الزمن العراقي المديد، فليل العراق طال والشعب ينتظر الخلاص ومعاناة الغربة تنخر في بنيان الروح والجسد، كل هذا في مشهد تراجيدي رائع وبسطور بالغة الشاعرية والدلالة. والسطر الشعري- لوّحنا لها طويلاً- يدل على استمرار عذابات الشاعر ووجده فيبدو كأحد شخصيات الملاحم السومرية وهو يصارع من أجل حياة تليق بالإنسان العراقي وكرامته، حيث استطاع الشاعر بحنكته الشعرية البالغة الثراء أن يستأثر بفضول المتلقي في حركة انجذابية طائفاً به في محطات حياته الصعبة التي تلفّها الغربة والموت والضياع، لكنها الغربة الممزوجة بالأمل والتفاؤل بالمستقبل وسقوط الطغاة، لتتواصل هنا قصيدته في تواشج وحدة عضوية متناسقة ترتكز على الرابط "حرف الواو" مع إيقاع شاعري متناغم يتمثل في تكرار كلمتي- سنموت- مثلي- وتكرار حرف الحاء في- نوح- لوّحنا- وإيقاع التاء المهتوتة في - النجدة – الطيبة- مما يتوفر على مهرجان شعري طافح بصور الإنزياحات اللغوية وتقنيات الأنسنة والتشخيص، مرصعة في عبارات تشي بالإيحائية والإثارة وجمالية التعبير وصدقه كما في – طفولتنا العارية- شمسنا الصغيرة التي تغيّر طعمها. وفي الحقيقة تتوفر سطوره الشعرية هكذا على لوحات رمزية متتابعة في قصيدة واحدة شديدة التعبير والتماسك الداخلي، حيث نأت اللوحة بنفسها عن التقريرية والمباشرة موحية للمتلقي بغموض شفاف عميق المحتوى ولكن دون المعقد. وهي سمة التجربة الشعرية الثرية التي لمستها لدى أديب كمال الدين في قصائده المثيرة دوماً للمشاعر والأحاسيس الإنسانية. فمن مشهد– الموت- إلى مشهد التعذيب والعذاب- إلى الكمائن وسط الظلام والجلد - إلى الضياع – والغربة والرحيل- إلى سفينة نوح والتلويح لها إلى- الشمس الصغيرة الذابلة...الخ، كلها صور طافحة بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية وتؤكد وتوحي بما ذهبنا إليه آنفاً. وفي قصيدته (دراهم كلكامش) يقول الشاعر:
في  حديقةٍٍ أصغر مما ينبغي
قدّام لحية كلكامش في المتحفِ العراقي
وفوق  عشبٍ أكله الحنينُ الرطب
ومزّقه  الدمع
 وتحت  غروبٍ أثقل من الحجر
ضيّع  الطفلُ دراهمه السبعة،
فبكى.
يا  إلهي، لِمَ يبكي هذا الطفل؟


  هنا إبداع  لغوي مثير في بنية تعبيرية وإسقاطات تاريخية تتماهى مع إيماءات دلالية في جسد النص الشعري لقصيدة درامية (فلاشباكية) بامتياز، فنجد الشاعر يستدعي شخصيات ملحمة كلكامش التاريخية الشهيرة– كلكامش– أنكيدو- وكلمات شعبية– قدّام- ويوظفها للإشارة إلى حضارة العراق التليدة، العراق الذي بات اليوم يتجرع الهموم والدموع والآهات مناجياً بطله كلكامش الذي ضاق عليه العراق بما رحب فلا تكاد تسعه حديقته الصغيرة القابعة فيها البوم!
   كما جاء تحديد المكان بلفتة ذكية جداً تماهى الحدث فيه بين الماضي والحاضر، لتأتي القصيدة معبرةً بدقة متناهية عما تحمله عبارة– قدّام لحية كلمكامش- وحيث اللحية بالمفهوم التراثي القديم رمز الفحولة والأصالة والجلال وأثمن شيء لدى سكان المنطقة وأشرافه. ونجد الشاعر وقد أضفى خياله الجامح على اللغة التعبيرية لقصيدته فأنتج منها لغةً تجمع بين الرؤيا النافذة والشاعرية الفذّة، من خلال عبارات انزياحية ثرية طافحة بالأنسنة والتشخيص كما في- عشب أكله الحنينُ الرطب- مزّقه الدمع- غروب أثقل من الحجر- وصور عاطفية مثيرة ماتعة بالأحاسيس والمشاعر يتداخل فيها الذهني والبصري بما هو حسي ومعنوي في سطر واحد، وهو ما يدل على تجربة شاعرية فريدة لدى أديب كمال الدين. فالشاعر هنا يتمنى ألا يأتي الغروب وأن تبقى شمسُ الحرية ساطعةً فوق سماء بلده والذي يأسف لطفل لا يزال فيه يبكي، ثم حالة اقتران البكاء باندهاش الشاعر واستغرابه – يا إلهي، لِمَ يبكي هذا الطفل؟- جاء لتوصيف حالة نفسية يسودها الكثير من القلق والتوتر موظفاً الرمز في الإشارة إلى التراث العراقي الموغل في الزمن بشكل إبداعي مثير!! حيث تم إسقاط ملحمة كلكامش على الحالة الراهنة لوطنه العراق الذي كان يوماً ما مهد الحضارة والرخاء في العالم، ولكن ملأه الطغاة اليوم بالفقر، والتعاسة، والبكاء، والشقاء. إنها حالة من الإنكسار وشعور طافح بالغربة والحنين إلى عراق عزيز شامخ كما كان، فيدعو الى نضال لاهوادة فيه في سبيل حرية الوطن الجريح وإنقاذه من براثن الحاقدين والطغاة معبراً عن روح الشاعر الانسان المطلة من وراء البحار على الوطن المحاصر بسليل السيوف وزنازين القتل والتعذيب والجوع فيفيض باللوعة والأسى والشوق إلى الأهل والديار والوطن المكبل بالقيود والأصفاد.
   كل هذا قد تمّ من خلال إيقاع موسيقي متناسق، وصياغة شعرية فنية محكمة الأواصر للسطور الشعرية. ولهذا يمكننا الذهاب إلى أن شعر أديب كمال الدين نضح شاعري عذب ينهل من أجود ينابيع الشعر العربي وأكثرها ثراءً، ومن أبدع ما فاضت بها قريحة الشعر العراقي المعاصر من صور شاعرية مبتكرة بعيداً عن الإبتذال التقليدي الممل:

أنا
فقط
أعرف:
إنني  أعيش منذ أربعين عاماً

قدّام لحية كلكامش
فوق عشبٍ أكله الحنين الرطب
ومزّقه  الدمع
وتحت غروبٍ أثقل من الحجر،
أبحثُ
حتّى
الموت
عن  دراهمي السبعة التي ضيّعتُها

في  حياةٍ عابرة
كملمسِ  الأفعى العابرة،
كلحيةِ  كلكامش العابرة هي الأخرى
نحو غروبٍ أثقل من الحجر.

  هنا أيضاً  نجد الرمز والإيحاء في محاولة لقراءة التراث بطريقة انزياحية معبرة على طول محاوره الدلالية، وتوظيفه في رسم لوحات ناطقة بالحب والجمال. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أبدع الشاعر هنا صوراً شاعرية جديدة ملفتة في رمزيتها ومضامنها التعبيرية مثل– غروب أثقل من الحجر- هذه الصورة الشاعرية الإبداعية والتي تستنفد الرموز فيها كامل طاقاتها التصويرية والايحائية جاءت مترافقة بموسيقية شجية وسوية إيقاعية عالية التأثير، وقد ساهم في ذلك تكرار سطور بكاملها كما في /غروب أثقل من الحجر/ غروب شابه ليل امرؤ القيس الذي شدّت نجومه بكلّ مغار الفتل بيذبل.
ولهذا يمكننا القول بأن: الشاعر أديب كمال الدين يمتلك قدرة فائقة في استنطاق الطبيعة بهمساته الشاعرية البالغة السحر والجمال، وفي إمداد سطوره الشعرية بالاقتباسات التاريخية وبالثراء الدلالي للعبارة الرامزة بإيحائية عالية، حيث تكمن في بنيتها العميقة تجلّيات لحياة مأساوية يفرغ فيها الشاعر أحاسيسه المتهيجة وانفعالاته وتوتره النفسي العميق. وفي قصيدته (أحمر ناريّ) يقول الشاعر:
 كان من الممكن أن تكوني
أكثر  ثراءً
أكثر  بهجةً وجمالاً
لو  سمحتِ للطائرِ المحلّقِ خلف النافذة
بعينين  دامعتين
وجناحين بريئين
بالطيران  قليلاً
فوق سريركِ العاري.

  نعم في الإبتداء بالماضي الناقص وهو حرف في نفس الوقت، ما يدل على التحسر على وطن فارقه الشاعر مفارقة الطيور لوكورها، وهو يحاول التأثير على المتلقي بقصيدته التي تمتح من وهج الشكل والمضمون معاً وهو الطريقة الشاعرية التي يعتمدها النقاد اليوم، بالإضافة إلى هذا وذاك فقد جاءت القصيدة هنا موشيةً بإيقاعية بارعة التناسق، قائمة على مفارقة تصويرية رائعة يمتزج فيها الحسي بالمعنوي امتزاجاً عضوياً نابضاً بالتوهج الجمالي، مستخدماً في ذلك تكرار حرف الكاف الذي يستنفر الفم والذي ورد ثلاث مرّات في سطر واحد وهو السطر الأول مثل: - كان من الممكن أن تكوني- ثم تنغيمية حرف الثاء السنية المقترنة بالراء المخففة مثل – أكثر ثراءً- أكثر بهجة وجمالاً- ثم تنغيمية حرف الجيم وتكراره– بهجة وجمالاً- بالإضافة إلى طابع الحزن الشفيف الذي يغلّف السطور الشعرية للقصيدة، ثم التقفية الثرية في عبارتي المثنى- دامعتين– بريئين- وتطعيمها بالمشهد التمثيلي في الطيران وعبارة /سريرك العاري/ التي تلعب على أفق توقع القارئ فتكسره للحظات ثم لا يلبث أن يستدرك القارئ المغزى الحقيقي منها، وهو ما يشير الى أصالة تجربة الشاعر وتحكمه بأدواته الشعرية بشكل إبداعي لافت، وهو ما يؤهل أديب كمال الدين ليكون شاعر الحداثة والقصيدة المبدعة بامتياز. وفي قصيدة البيضة والبحر والقمر يقول:
سقطَ  الماضي
فاحتجَّ الحاضر
وخرجَ المستقبلُ في مظاهرةٍ حاشدة.
....................
سقط القمر

فاختفت  الشمس
وبكى  العشّاقُ جميعاً
بدموعٍ  من لوعةٍ وندم
طوال  ذلك اليوم المشؤوم.
...............
سقط الطاغية

فبكى  كرسيّه الذهبي
وبكتْ كلابه الشرسة
وبكتْ بوّاباتُ سجنه العظيم.
  هنا كان  الشاعر في سباق مع حروفه الأثيرة  فيبالغ في عشقه لها، وبها استطاع إيصال مفهوم النص بكفاءة عالية وبومضات ايحائية بالغة الدلالة والثراء، فكانت الأطياف ألواناً ربيعيةً شفيفةً تبدو من خلالها ومضةُ التأمل واللحظة المثيرة وصعود الإبتهالات الصوفية مخترقة حجب السموات الإلهية. والملفت في الأمر هو هذه النظرة التفاؤلية وسقوط طاغية العراق في لوحة تراجيدية في غاية الجمال والتعبير، حيث الطاغية سقط وتشتت كلابه وانفتحت أبواب سجونه الرهيبة وتحرر العراق، نعم تحرر من قيود العبودية وبات يحلق في فضاءات الحرية والخلاص.
  ويرينا المشهد الشعري وبشكل واضح تمرد الشاعر على نمطية الصورة الشعرية والتعبير اللغوي فيعيد خلقها من جدبد مفجراً الطاقات التعبيرية للألفاظ في ارتكازه على زخم البنى الإيحائية العميقة والتي تجمع أواصر النسيج الشعري إلى البؤرة المركزية للنص، مما أضفى على الدلالات رموزاً إيحائيةً في منتهى الشاعرية والإيحاء.
وفي الختام نقول: إن أديب كمال الدين شاعر حداثي من الطراز الأول يعتمد التوسطية والاعتدال في حداثته، وتمتاز قصائده بتقنية الغموض الشفاف والسهل الممتنع توشّيها نفحاتٌ إنسانيةٌ في منتهى الروعة والجمال، سواء من حيث المضمون أو الشكل أو الصورة الإجتماعية الرامزة أوالإسقاطات التاريخية المناسبة، منتقياً في هذا ألفاظه ببراعة فائقة وعناية شديدة، كما يمكنني هنا القول: بأنّ الصور الشعرية تنثال من مخيلته عفو الخاطر، لأن كل ما يقوله الشاعر ويرسمه بكلماته قد اكتوى بنيران معاناته النفسية والتي يزيدها ضراماً ألمُ الفراق والغربة والعذاب. وهو الذي رأيناه شاعراً مجيداً يخترق المحظور وما هو مألوف في اللغة والتعبير فيجيد في شعره ويبدع في مخيلته، وبهذا أوصل نفسه إلى قامات شعراء العراق العظام كالسياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي...الخ. مثلما لمسنا الذات الشاعرة في تماهيها مع الحالة الإجتماعية بعيداً عن سياقات التجريد، وبذلك استطاع أديب كمال الدين التواصل مع القارئ في توهج ومضاته الشعرية العالية المستوى وتوظيف فكرة سطوره الشعرية المعبرة عن الغربة والوطن والقمع والإستبداد بجدارة واستحقاق، ودون أن يسند سطوره إلى ما هو غرائبي معقد فلم يقل مثلاً – نزيف النشيد- كما هو لدى ابراهيم اليوسف أو– دمعة خشب- كما لدى أديب حسن محمد. أي باعتقادي هذا هو الشاعر الذي يجب أن نبحث عنه ليكون المثال لكل شعراء الحداثة الذين يكتبون بالعربية ويصطنعون الغموض المعقد من دون ضوابط أو رقيب. وفي الحقيقة بحثنا طويلاً عن شاعر تتوفر في شعره مثل هذه الصفات، فقد وجدنا إلى جانب شعراء معدودين ضالتنا في هذا الشاعر الفذ. ففي سطوره الشعرية تجد الكلمة الشفيفة، والحس الرهيف، والنغمة المحببة، والرمزية الموحية، والشاعرية المبدعة، فحيث تعتكف في محراب شعر أديب كمال الدين تجد نفسك معتكفاً مع نبي من أنبياء الشعر مرهف الاحساس، ألفَ حبَّ الناس ومقارعة الطغاة، وعانى السقطات والمآزق، لكن دون أن يفقد نغمة التحدي وبارقة الحياة والأمل والتفاؤل.
***************************
أربعون قصيدة عن الحرف- شعر: أديب كمال الدين- دار أزمنة للنشر والتوزيع- عمّان 2009

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 2.81
تصويتات: 11


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات